لأنه لا يخلو إما أن يكون مناط حكم العقل موجودا في الزمان الثاني فلا محل للاستصحاب للعلم بالحكم ، وإمّا أن لا يكون المناط موجودا فلا يجري الاستصحاب أيضا للعلم بعدم الحكم ، لكن التحقيق جريان الاستصحاب هنا بناء على ما حققنا سابقا من أنه يمكن أن يكون مناط حكم العقل مجملا عنده إلّا أنه علم بوجوده في زمان لوجود جميع ما يحتمل أن يكون دخيلا في المناط ثم يحصل الشك بفقد بعض ما يحتمل كونه دخيلا في المناط ، وعلى هذا يصح فيما نحن فيه أن يقال إنّ هذا الجزء قد ثبت وجوبه ظاهرا في السابق بحكم العقل ثم شك في بقاء الوجوب فالأصل بقاؤه فليتأمّل.
قوله : لأنّ وجوب الاتيان بذلك الجزء الخ (١).
توضيحه : أنّ قاعدة الاشتغال التي اقتضت وجوب الجزء المشكوك حال عدم تعذّره تقتضي وجوب بقية الأجزاء حال تعذّره ، ولا يجري مثل هذا فيما إذا تعذّر بعض الأجزاء التي ثبت وجوبها بالدليل ، لما مر في صدر المسألة من الإشكال وهو أنّ وجوب المركّب الذي علم الاشتغال بالنسبة إليه قد ارتفع قطعا بعد تعذّر الجزء ، والاشتغال ببقية الأجزاء مشكوك من الأول ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإنّا لا نعلم بارتفاع ما وجب أوّلا لاحتمال أن يكون الواجب من الأول خصوص هذه الأجزاء الميسورة فالوجوب باق ، وهذا نظير ما لو اضطر إلى ارتكاب أحد الإناءين في الشبهة المحصورة أو اريق أحدهما فيقال يجب الاجتناب عن الآخر بنفس قاعدة الاشتغال ، إذ لا يأمن العقل من تبعة ذلك التكليف المعلوم إلّا بالاجتناب عن الاناء الآخر وهذا يجري فيما نحن فيه بعينه.
ثم إنّ العبارة التي نقلها في المتن عن هذا المتخيّل لا تدل على أنه تمسك
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٨٢.