فلفّته أخته في خرقة ووضعته في التنّور وخالة موسى كانت غافلة عن هذا الأمر فأشعلت النار في التنّور لاختباز الخبز فلما دخل الجواسيس البيت وتفحّصوا ما وجدوا في البيت غير تنّور مشتعل ولما خرجوا سألت أمّ موسى أخته أين الولد؟ فقالت في التنّور فلمّا دخلت عليه وجدته قاعدا يلعب وأطرافه مشتعلة فأخرجته سالما ، وعلموا أن هذا هو الموعود. والحاصل أن الله تعالى أوحى إليها بأنه (فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ) بأن أحسست باشتهار أمر الولد فخفت عليه الأخذ والقتل (فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ) أي النيل (وَلا تَخافِي) ضيعته وغرقه (وَلا تَحْزَنِي) على فراقه (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ) سالما عمّا قريب (وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) نعطيه منصب الرّسالة ورتبة النبوّة. والفرق بين الخوف والحزن أن الخوف هو الغمّ الذي يحصل للإنسان لأمر متوقّع ، والحزن هو الغم الذي يحصل للأمر الحاصل والواقع على الإنسان. وبالجملة فأرضعته ثلاثة أشهر ثم الحّ فرعون في طلب الصبيان فخافت عليه الجواسيس شديدا فوضعته في تابوت مطليّ داخله بالقار وأغلقته وألقته في البحر (أي النيل).
٨ ـ (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ...) بتابوته ، فوضع بين يديه وفتح وأخرج منه موسى عليهالسلام (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) والالتقاط إصابة الشيء من غير طلب والمراد بآل فرعون جواريه ، واللام في (لِيَكُونَ) لام العاقبة ومعناه : أنهم ما التقطوه إلّا ليكون لهم قرّة عين وراحة قلب ولكن انتهى هذا الالتقاط بالحزن لهم والعداوة عليهم كقول الشاعر : لدوا للموت وابنوا للخراب ، أي عاقبة الولادة الموت وعاقبة البناء الخراب فكأنّهما علّتان للعملين ، وهكذا ما نحن فيه فإن العمل تابع للنتيجة فإذا صارت النتيجة العداوة والحزن فكأنهما علّتان للالتقاط .. أمّا قصّة تهيئة أم موسى للصندوق ومن صنعه لها فذلك أنها لمّا أدركت وشعرت بأن فرعون مجدّ في طلب أبناء بني إسرائيل ذهبت إلى نجار من أهل القبط وطلبت منه أن يصنع لها صندوقا طوله خمسة أشبار في ثلاثة عرضا ، فلما صنعه لها النجّار ألحّ عليها بأن يعرف وجه طلبها منه هذا الصّندوق فأبت أن تقول له ، فاجتهد في ذلك فأظهرت