والحرج فحينئذ يترك الاحتياط ، وهذا نظير ما يقال إنّه لو علم المصلي قبل الصلاة بعجزه عن القيام في بعض صلاته يجب عليه القيام في أول الصلاة إلى أن يحصل له العجز فيقعد كما اختاره بعض خلافا لآخرين ، فالتخيير بين القيام في الأول أو ما بعده مطلقا أو إذا لم يمكن استدراك القيام في بعض الأحوال الذي هو أهم من الأول كحال الركوع مثلا.
ويمكن أن يورد على حكم العقل بتبعيض الاحتياط بأنّ العقل بعد العلم ببقاء الحكم الواقعي وعدم إمكان إحراز الواقع بالعلم أو العلمي تفصيلا أو إجمالا يجعل الظن طريقا ويحكم بلزوم متابعته ، وهذه طريقة مستمرة يسلكها العقلاء في سائر أمورهم مما يتعلّق بمعاشهم ومعادهم ، هذا.
وأورد على تبعيض الاحتياط بنظير ما ذكره المصنف في خامس تنبيهات الشبهة المحصورة من أنّه لو اضطر إلى ارتكاب بعض الأطراف لم يجب الاحتياط بالنسبة إلى الباقي ، إذ يرجع الشبهة بالنسبة إلى الباقي إلى الشك البدوي إذا لم يكن حصول الاضطرار بعد العلم الإجمالي بل قبله أو مقارنه ، وهكذا نقول فيما نحن فيه إذا لم يجب الاحتياط التام وقد رخص الشارع لدليل الحرج أو الإجماع ترك الاحتياط في بعض المحتملات سقط حكمه في باقي المحتملات لعين ما ذكر.
وفيه أوّلا : أنّ هذا فيما كان الطرف المضطر إليه أو المرخّص فيه بالحرج معينا لا البعض غير المعين كما فيما نحن فيه على ما هو صريح كلام المصنف هناك حيث قال : الخامس لو اضطر إلى ارتكاب بعض المحتملات ، فإن كان بعضا معينا فالظاهر عدم وجوب الاجتناب عن الباقي إن كان الاضطرار قبل العلم أو معه ، لرجوعه إلى عدم تنجز التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي