أدركوا الأحكام الشرعية وإن أخطئوا فهم معذورون لا يعاقبون على الواقع ، وهذا نظير الأعذار العقلية كالجهل والعجز بعينه ، فكما أنّ العاجز أو الجاهل في حال عجزه أو جهله لم يجعل له حكم سوى حكمه الواقعي وكان معذورا بالنسبة إليه بحكم العقل ، فكذلك من عمل بمؤدّيات الأصول والأمارات لأنّ الشارع قد جعلها أعذارا فإن أصاب فقد رزقه الله خيرا ، وإن أخطأ فقد حرم منه وكان معذورا لا يصحّ عقابه على ترك العمل بالواقع كما لا يصحّ في الأعذار العقلية.
والدليل على ذلك أنّا إذا تتبّعنا أدلة حجية الأصول والأمارات والأدلة الظنّية لم نجد فيها ما يدلّ على أنّ مؤدّياتها أحكام شرعية مجعولة في مقابلة الأحكام الواقعية على ما يدّعيه الخصم ، بل مؤدّاها أنّه يجب العمل بها ، ولا يستفاد من ذلك أزيد مما ذكرنا من عدم جواز المؤاخذة على ترك الواقع على تقدير التخلّف وذلك ما أردنا.
والحاصل أنّه ليس في الشريعة إلّا أحكام واقعية يجب على المكلّفين قاطبة الاتيان بها ، يعاقبون على مخالفتها لا يقبل منهم غيره إلّا أن يأتوا بعذر صحيح من عجز وجهل من الأعذار العقلية ، أو العمل بأصل أو أمارة من الأعذار الجعلية ، ومن هنا يصحّ لنا أن نقول : إنّ الجاهل يصحّ عقابه على مخالفة الواقع لو لم يكن جهله عذرا كما لو كان مقصّرا ، والعالم لا يصحّ عقابه على المخالفة لو كان معذورا بعذر عقليّ أو شرعي.
إذا تحقّق ذلك وارتفع التناقض بحمد الله في جعل الأصول والأدلة نقول بمثل ذلك فيما نحن فيه ، فلو منع الشارع عن العمل بالقطع في مثل القطّاع مثلا لحكمة غلبة مخالفته الواقع التي يعرف الشارع من القطّاع فلم يجعل له حكما