فأذعن للحق بعد أن عرضت له فيه كبوة كذلك الانصار رضي الله عنهم ، وإذ قد بطل كل هذا فلم يبق إلا أن عليا والأنصار رضي الله عنهم إما رجعوا إلى بيعة أبي بكر رضي الله عنه لبرهان حق صح عندهم عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، لا لاجتهاد كاجتهادهم ، ولا لظن كظنونهم ، فإذ قد بطل أن يكون الأمر في الأنصار وزالت الرئاسة عنهم فما الذي حملهم كلهم أولهم عن آخرهم على أن يتفقوا على جحد نص النبي صلىاللهعليهوسلم على إمامة علي؟ ومن المحال أن تتفق آراؤهم كلهم على معونة من ظلمهم وغصبهم حقهم ، إلا أن تدعي الروافض أنهم كلهم اتفق لهم نسيان ذلك العهد ، فهذه أعجوبة من المحال غير ممكنة ثم لو أمكنت لجاز لكل أحد أن يدعي فيما شاء من المحال أنه قد كان ، وأن الناس كلهم نسوه ، وفي هذا إبطال الحقائق كلها. وأيضا فإن كان جميع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم اتفقوا على جحد ذلك النص وكتمانه أو اتفقت طبائعهم كلهم على نسيانه فمن أين وقع إلى الروافض أمره ومن بلغه إليهم ..؟
وكل هذا هوس ومحال ، فبطل أمر النص على عليّ رضي الله عنه بيقين لا إشكال فيه ، والحمد لله رب العالمين.
فإن قال قائل : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان قد قتل الأقارب من بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتولد له بذلك حقد في قلوب جماعة من الصحابة فلذلك انحرفوا عنه.
قيل لهم : هذا تمويه ضعيف كاذب ، لأنه إن ساغ لكم ذلك في بني عبد شمس وبني مخزوم ، وبني عبد الدار ، وبني عامر ، لأنه قتل من كل قبيلة من هذه القبائل رجلا أو رجالا ، فقتل من بني عامر بن لؤي رجلا واحدا وهو عمرو بن عبد ود ، وقتل من بني مخزوم وبني عبد الدار رجالا ، وقتل من بني عبد شمس الوليد بن عتبة والعاص بن سعيد بن العاص بلا شك وشارك في قتل عتبة بن ربيعة ، وقيل قتل عقبة بن أبي معيط وقيل قتله غيره وهو عاصم بن ثابت الأنصاري ولا مزيد فقد علم كل من له أقل علم بالأخبار أنه لم يكن لهذه القبائل ولا لأحد منها يوم السقيفة حل ولا عقد ، ولا رأي ولا أمر ، اللهم إلا أن أبا سفيان بن حرب بن أمية كان مائلا إلى علي في ذلك الوقت عصبيا للقرابة لا تدينا ، وكان ابنه يزيد وخالد بن سعيد بن العاص والحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي مائلين إلى الأنصار تدينا ، والأنصار قتلوا أبا جهل بن هشام أخاه ، وقد كان محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة شديد الميل إلى علي حين قصة عثمان وبعدها حتى قتله معاوية على ذلك. فعرفونا من قتل علي من بني تيم بن مرة أو من بني عدي بن كعب ، حتى يظن أهل القحة أنهما حقدا عليه؟