و (فُصِّلَتْ) واحدة واحدة لتبيّن الأحكام للمكلّفين بالتفصيل. ثم قيل (أُحْكِمَتْ) في نظمها الفصيح المعجز ، و (فُصِّلَتْ) بالشرح وببيان الشرع. وقيل أيضا (أُحْكِمَتْ) فما فيها خلل ولا باطل ، و (فُصِّلَتْ) بتتابع بعضها بعضا لتفصيل الأحكام المختلفة ، وكل ذلك يشمله إحكام وتفصيل آيات القرآن الكريم.
ونلفت النظر إلى أن هذه الآية الشريفة تدل دلالة قاطعة على أن كلام الله تبارك وتعالى محدث لأن الإحكام والتفصيل من صفات الأفعال ، مضافا أن ذلك (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) أي أن الفعل أسند إلى محدث وأضيف إليه ، فتأمّل.
٢ ـ (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ ...) أي أحكم آيات هذا الكتاب وفصّلها ، ثم أنزله إليكم آمرا أن لا تعبدوا غيره. فلفظة (أَلَّا) تتألف من (أن) و (لا) المدغمتين. فقل يا محمد ذلك للنّاس ، وقل : (إِنَّنِي) أنا رسول الله إليكم ، وأنا (مِنْهُ نَذِيرٌ) يخوّفكم البقاء على الكفر والعصيان (وَبَشِيرٌ) يبشّر السامعين المطيعين بالجنة وجزيل الثواب.
٣ ـ (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ...) هذا تمام لما قبله ، أي جئت لآمركم أن تطلبوا المغفرة من الله والتجاوز عن الذنوب بالتوبة الصحيحة. والتوبة والاستغفار متلازمان لأن الاستغفار إنما يكون بعد التوبة كما أن التوبة تستدعي الاستغفار مما سلف من المعاصي. فإن فعلتم ذلك (يُمَتِّعْكُمْ) يمنحكم الله المتعة بنعمه (مَتاعاً حَسَناً) برغد ودعة وخفض عيش (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) إلى وقت قدّره لكم يعقبه الموت (وَيُؤْتِ) يعطي (كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) كلّ صاحب إفضال على غيره بالمال أو بسواه ، حتى الكلمة الطيّبة ، وكل من يعمل عملا صالحا ، يعطيه ثواب ما عمل. وهذا يقوّي أن تكون (الهاء) في (فَضْلَهُ) عائدة لاسم الله تعالى المكنون في (يُؤْتِ وَإِنْ تَوَلَّوْا) أي إن تتولّوا : تعرضوا وتميلوا عما أمرتم به (فَإِنِّي أَخافُ) أخشى (عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) أي كبير شأنه ، بحيث