عليهم في الأميين سبيل ، وهم مسئولون عن أداء الأمانة وعن الوفاء بالعهد. ومن : موصول مبتدأ ، وجزاؤه قام مقام خبره. وأوفى بمعنى وفى على ما في اللغة. وجملة : (وَاتَّقى) عطف على الصلة إشعارا بأن ملاك الأمر في أوامره تعالى ، والترك في النواهي ، هو التقوى ، أي اتّقاء غضب الله وعقابه ، وهو ما يحصل بالأعمال الصالحة وبالطاعات حتى يصير التقوى ، ملكة عند المتقي (فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) لا يبعد أن تكون هذه الجملة في مورد العلة لقوله سبحانه : واتقى. وبيان ذلك أن الإيفاء بالعهد والاتقاء كلاهما أمران محبوبان ، ولكن إذا قيل أيهما أعلى وأنبل؟ يجاب : التقوى لأن الله تعالى قال مع التأكيد : إن الله يحب المتقين ، فاختصاص التقوى بالذكر يدل على التقدم في الأهمية. هذا مضافا الى أن الفاء لها خمسة معان أحدها السببية. والسبب يطلق على العلة كثيرا. فملاك الأمر هو التقوى التي تفوق الوفاء وغيره من الصفات.
٧٧ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ ..) يشترون هنا بمعنى يبيعون عهدهم مع الله من الايمان بمحمد صلىاللهعليهوآله بعد وضوح الدلالة عليه والوفاء بالأمانات والتقوى (وَأَيْمانِهِمْ) أي يبيعون ما حلفوا به وأقسموا عليه من قولهم : والله لنؤمنن به ولننصرنّه ، وقد استبدلوا ذلك ليقبضوا (ثَمَناً قَلِيلاً) أي عوضا نزرا هو عرض الدنيا ، وقد سماه قليلا لأنه كذلك بجنب ما يفوتهم من الثواب الجزيل ويحصل لهم من العقاب الكثير (أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ) إشارة الى من باعوا آخرتهم بدنيا فانية ورئاسة زائلة ، فهؤلاء لا حظّ لهم وافرا (فِي الْآخِرَةِ) وقد نكر لفظة : خلاق ، لنفي الحظ مطلقا (وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ) حتى في مقام المحاسبة فإنه يكل أمرهم الى ملائكة العذاب ويكشف لهم سبحانه عن جميع سرائر الكفار كما لو كان تعالى هو المحاسب ، وهو جلّ وعلا قد يكشف وقد لا يكشف في بعض الحالات لطفا منه وكرما ، أما هؤلاء الخبثاء فلا تشملهم رحمته في الآخرة إذ لا يكلّمهم (وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ) بعين عفوه (يَوْمَ الْقِيامَةِ). وهذه الجملة وما قبلها تكنيان عن غاية سخط الله عليهم