وَالصَّابِرِينَ
فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (١٧٧)
يا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ
بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ
مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ
ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ
عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) وَلَكُمْ فِي
الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩))
١٧٧ ـ (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا
وُجُوهَكُمْ) : أي ليس الفعل المرضيّ والعمل الحسن أن تتوجّهوا (قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) في الصلاة ـ والخطاب لأهل الكتاب الذين خاضوا كثيرا في
تغيير القبلة ـ قال تعالى لهم : ليس البر منحصرا في الصلاة نحو الشرق كما هو ديدن
النصارى ؛ أو نحو الغرب كما هي طريقة اليهود ـ أي نحو بيت المقدس ـ. فما هذا هو
البرّ والطاعة التامة والعمل الحسن المقبول .. ذلك أنه تعالى لمّا بينّ دلائل
التوحيد ، وأوضح الطريق إلى معرفته تعالى ، وأقام البراهين على صدق قول النبيّ (ص)
المبعوث من عنده عزوجل إلى البشر كافة ، وبعد أن أظهر غضبه على الجاحدين
والمنكرين ـ بقوله : (وَلا يُكَلِّمُهُمُ
اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ـ عيّر أحبار اليهود ورهبان النصارى ووبّخهم بقوله : ليس
البرّ كله بالصلاة إلى هذه الجهة أو تلك (وَلكِنَّ الْبِرَّ
مَنْ آمَنَ بِاللهِ) أي أن البرّ هو برّ من آمن بالله واستمع له وأطاعه. وهذا
كما يقال : السخاء حاتم : أي سخاء حاتم : أو الفقاهة زيد : أي فقاهة زيد. ويمكن أن
يكون البرّ بمعنى البارّ أو بتقدير ذو البر من آمن بالله أي صدّقه ، فتصديقه ملازم
لجميع ما لا تتم معرفته إلّا به ، كمعرفة حدوث العالم مثلا ، ومعرفة ما يستحيل
عليه ـ كصفاته السلبيّة ـ وكعدله