فما في الضمير لو كان ملازما للخارج فيدل عليه وإلّا فلا إلّا في المتكلم المعصوم.
ومنها. انّ النزاع بين النظام وغيره في ملاك صدق الكلام وكذبه وانّه هل هو مطابقته للواقع أو الاعتقاد نزاع في غير محله بل الملاك في الصدق والكذب تابع لما هو الأصل في نظر المتكلم. ولا بأس بتوضيح ذلك موجزا فنقول : ذهب بعضهم الى أن صدق الكلام باعتبار مطابقته للخارج وبعضهم على مطابقته لما في الضمير وبعضهم على كليهما معا ورابع على أحدهما لا على التعيين. ولكن كل هذه الوجوه والأقوال باطله. بل الحق أن صدقه تابع لما هو الأصيل في نظر المتكلم. فلو كان الأصيل في النظر بالنسبة الى ما في الخارج فملاك صدقه وكذبه راجع الى ما في الخارج وإن كان بالنسبة الى الضمير فهو الملاك فلا هو ما في الخارج مطلقا ولا ما في الضمير كذلك ولا الوجهان الثالث والرابع. ونظير ذلك الكنايات فزيد كثير الرماد ليس صدقه منوط بوجود الرماد على بابه بل صدقه متوقف على كونه سخيا مضيافا فهذا المعنى الكنائي هنا أيضا تابع للأصيل في النظر ومن أحسن الأمثلة بل أحسن الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى حيث يقول : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ) ثم قال الله سبحانه وتعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(١). فتدبره ومن هذه البيانات ظهر أن ما ذهب اليه بعضهم في مبحث الحقيقة والمجاز من كون الاستعارة حقيقة كالسكاكي حيث قال بالفرد الادعائي وما رد عليه التفتازاني بأنّ الفرد الادعايي ليس تحقيقيا ففيه مجاز وكذا قولهم بالتجوز في موارد العلائق المرسلة واختلافهم في الاستعارة. فهذه كلها بمعزل عن الحقيقة على ما يأتي تفاصيلها في مسئلة الحقيقة والمجاز أما في مورد العلائق المرسلة فلعدم الاطراد كما اعترفوا به فلا تكون هي مصححة للاستعمال بل هو في بعضها حقيقي وفي بعضها استعارة مقيدة و
__________________
(١) سورة المنافقون : آية ١.