أَجْمَعِينَ) فإن هذا القول يستلزم طى بساط كل أمر ونهى وهذا مما يعلم
بالاضطرار من العقل والدين أنه يوجب الفساد فى أمر الدنيا والمعاد.
وأما القسم الرابع
: فهو شر الأقسام كما قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزى قال : أنت عند الطاعة قدرى ،
وأنت عند المعصية جبرى. أى مذهب وافق هواك تمذهبت به فهؤلاء شر أتباع الشيطان ،
وليس هو مذهبا لطائفة معروفة ولكن هو حال عامة المحلولين عن الأمر والنهى ، إن فعل
طاعة أخذ يضيفها إلى نفسه ويعجب حتى يحبط عمله ، وإن عمل معصية أخذ يعتذر بالقدر
ويحتج بالقضاء ، وتلك حجة داحضة ، وعذر غير مقبول.
وتراه إذا أصابته
مصيبة بفعل العباد أو غيرهم لا يستسلم للقدر وتراه إذا ظلم نفسه أو غيره احتج
بالقدر ... وإن ظلمه غيره ظلما دون ذلك أو توهم أنه ظلمه أحد ، سعى فى الانتقام من
ذلك بأضعاف ذلك ولا يعذر غيره بمثل ما عذر به نفسه من القدر وهما سواء» . اه.
وأختم الكلام عن
القدرية والجبرية بما ذكره شارح الطحاوية حيث يقول : فكل دليل صحيح يقيمه الجبرى ،
فإنما يدل على أن الله خالق كل شيء ، وأنه على كل شيء قدير ، وأن أفعال العباد من
جملة مخلوقاته ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولا يدل على أن العبد ليس
بفاعل فى الحقيقة ولا مريد ولا مختار ، وأن حركاته الاختيارية بمنزلة حركة المرتعش
وهبوب الرياح وحركات الأشجار. وكل دليل صحيح يقيمه القدرى فإنما يدل على أن العبد
فاعل لفعله حقيقة ، وأنه مريد له مختار له حقيقة وأن إضافته ونسبته إليه حق ولا
يدل على أنه غير مقدور لله تعالى وأنه واقع بغير مشيئته وقدرته ، فإذا ضممت ما مع
كل طائفة منهما من الحق إلى حق الأخرى فإنما يدل على ما دل عليه القرآن من عموم
قدرة الله ومشيئته لجميع ما فى الكون من الأعيان والأفعال وأن العباد فاعلون
لأفعالهم حقيقة وأنهم يستوجبون عليها المدح والذم» .
__________________