قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (٢٦). وواضح من روح الآية أنه انطوى في التحدي يقين بأن الكفار هم الضالون الذين سوف يكونون شرّا مكانا وأضعف جندا ، وأن هذا هو ما أشعرهم به التحدي ؛ حيث ينطوي في ذلك تنديد وإنذار لاذعان. أما الآية الثانية فهي تعقيب على الأولى وتوكيد لما انطوى فيها. فالكفار هم الذين ارتكسوا في الضلالة ، دون المؤمنين الذين يكونون موضع رحمة الله فيزدادون بإيمانهم بآيات الله المتجددة وبأعمالهم الصالحة المتجددة هدى على هدى.
وقد انطوت الفقرة الأخيرة منها على تحريض قوي على صالح الأعمال بأسلوب مطلق ، كأنما تهتف بالناس جميعهم أن كل شيء إلى زوال إلا العمل الصالح ، فهو الباقي كل البقاء النافع كل النفع. وفي هذا ما فيه من نداء وتلقين مستمري المدى.
تعليق على جملة
(وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ)
ولقد روى المفسرون عن أهل التأويل من أصحاب رسول الله وتابعيهم أقوالا عديدة في مدى هذه الجملة (١). منها أنها في معنى الأعمال الصالحة وطاعة الله إطلاقا ، ويدخل في ذلك الحج والصلاة والزكاة والجهاد إلخ. ومنها أنها في معنى الصلوات المكتوبة وحسب. ومنها أنها ذكر الله وتسبيحه وحمده. ورووا في صدد القول الأخير أحاديث عديدة منها الوارد في كتب الصحاح ومنها غير الوارد. فمن غير الوارد في هذه الكتب حديث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «استكثروا من الباقيات الصّالحات. قيل وما هي يا رسول الله قال التّكبير والتّهليل والتّسبيح والحمد ولا قوّة إلّا بالله» ومنها حديث عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إنّ قول لا إله إلّا الله والحمد لله وسبحان الله تحطّ الخطايا كما تحطّ ورق هذه الشّجرة الرّيح. خذهنّ يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهنّ. هنّ
__________________
(١) انظر تفسيرها وتفسير مثيلتها في سورة الكهف في تفسير الطبري والبغوي وابن كثير والخازن.