أمّا الأوّل فالظاهر أنّ المراد بكلمة «الشيء» ما هو معناها الظاهر الذي هو أعمّ من الطبيعة التي لها أفراد ومصاديق ومن الطبيعة المركّبة من الأجزاء ، لا خصوص إحداهما.
كما أنّ الأظهر أن تكون كلمة «من» بمعنى التبعيض ، لا بمعنى التبيين ولا بمعنى «باء» ، وهذا لا ينافي أعمّيّة معنى «الشيء» بدعوى أنّ التبعيض ظاهر في الطبيعة المركّبة ، فإنّا نمنع أن تكون كلمة «من» مرادفة للتبعيض بحيث تستعمل مكانه ، بل الظاهر أن معناها هو الذي يعبّر عنه بالفارسيّة ب (از) ويلاحظ فيه نوع من الاقتطاع ، حيث يقال : فلان من الحوزة العلميّة ـ أي قطعة منها وجزء منها وعضو منها ـ وهذا المعنى يمكن تحقّقه في أفراد الطبيعة أيضا ، كما يقال : زيد من طبيعة الإنسان ، أو من أفراد الإنسان ، أو من نوع الإنسان ، فلا نحتاج إلى التصرف في كلمة «الشيء» ، بل هي باقية في معناها العامّ ، وهو لا ينافي المعنى الشائع ، والأظهر في كلمة «من» التبعيض كما ذكره استاذنا السيّد الإمام رحمهالله (١).
وأمّا كلمة «ما» فاستعمالها موصولة وإن كان شايعا بل أكثر ، إلّا أنّ الظاهر كونها في المقام زمانيّة ، ولكن ذلك بملاحظة الصدر ، كما أنّ بملاحظته يكون الظاهر من كلمة «الشيء» هو الأفراد لا الأجزاء ؛ لأنّ الظاهر أنّ إعراضه عن عكاشة أو سراقة إنّما هو لأجل أنّ مقتضى حكم العقل في باب الأوامر لزوم الإتيان بالطبيعة المأمور بها مرّة واحدة ؛ لحصولها بفرد واحد ـ بخلاف باب النواهي ؛ إذ اللازم فيها الانزجار من جميع أفراد الطبيعة في مقام الامتثال ـ وحينئذ فلا مجال معه للسؤال أصلا.
__________________
(١) معتمد الاصول ٢ : ٢٨٥.