ثمّ استشكل في دلالتها على التوحيد بالمناسبة ، مع أنّه لا يرتبط بمسألة المفهوم أصلا ، وهو أنّ خبر «لا» إمّا يقدّر «ممكن» أو «موجود» ، وعلى كلّ تقدير لا دلالة لها على التوحيد ، أمّا على الأوّل فإنّه حينئذ لا دلالة لها إلّا على إثبات إمكان وجوده تبارك وتعالى لا وجوده ، وأمّا على الثاني فلأنّها وإن دلّت على وجوده تعالى ، إلّا أنّه لا دلالة لها على عدم إمكان واستحالة إله آخر.
ثمّ أجاب عنه بما لا يليق بشأنه ، وقال : إنّ المراد من الإله هو واجب الوجود ، ونفي ثبوته ووجوده في الخارج ، وإثبات فرد منه فيه ـ وهو الله تعالى ـ يدلّ بالملازمة البيّنة على امتناع تحقّقه في ضمن غيره تبارك وتعالى ؛ ضرورة أنّه لو لم يكن ممتنعا لوجد لكونه من أفراد الواجب ، وأمره دائر بين وجوب الوجود واستحالة الوجود ، بخلاف الممكن.
ولكن هذا لا يوافق التأريخ واللغة والقرآن ؛ إذ التوحيد على أقسام : توحيد في الذات ، وتوحيد في الصفات ، وتوحيد في الأفعال ، وتوحيد في العبادة ، ومعلوم أنّ إشكال أعراب الجاهليّة لا يكون في مرتبة توحيد الذات ، فإنّهم كانوا معتقدين بالمبدإ ، كما أشار إليه القرآن بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(١) ، ويستفاد من هذه الآية اعتقادهم بتوحيد الذات وتوحيد الأفعال ، ولازم ذلك الاعتقاد بتوحيد الصفات ، ولكنّهم كانوا فاقدين للتوحيد في العبادة ، وكان غرضهم من عبادة الصنم التقرّب إلى الله تعالى ، ويقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(٢) ، وقول رسول الله صلىاللهعليهوآله لهم : «قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا» يكون معناه :
__________________
(١) العنكبوت : ٦١.
(٢) الزمر : ٣.