يقول : «لم يزل الله عزوجل ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ـ أي كان الله تعالى عالما مع أنّه لم يتحقّق المعلوم في الخارج ـ والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ـ كما أنّ الإنسان قادر على القيام في حال قعوده مع أنّه لم يكن متحقّقا ـ فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على المقدور» ، قال : قلت : فلم يزل الله متحرّكا؟ قال : فقال : «تعالى الله عن ذلك أنّ الحركة صفة محدثة بالفعل» ، قال : قلت : فلم يزل الله متكلّما؟ قال : فقال : «إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزليّة ، كان الله عزوجل ولا متكلّم» (١).
ويستفاد من ذلك أنّ صفة التكلّم تكون من الأوصاف الفعليّة والمحدثة على الظاهر ، وإن أمكن أن تكون للحديث توجيهات فلسفيّة.
الجهة الثانية : في أنّ عنوان المتكلّم هل يكون من المشتقّات الحقيقيّة أو من المشتقّات الجعليّة؟ التكلّم يكون من باب تفعّل ، لا شكّ في تحقّق الماضي والمضارع وسائر المشتقّات له في هذا الباب ، ولكن لم نجد له مصدر ثلاثي مجرّد ، فإن قيل : هي عبارة عن «الكلم» قلنا : إنّه لو سلّمناه لا نرى له في اللغة العربية فعل ماض ولا مضارع ولا سائر المشتقّات ، مع أنّه ليس بمعنى الكلام بل هو بمعنى الجرح والجراحة لغة.
وعلى هذا ما معنى التكلّم؟ من المعلوم أنّ معناه إيجاد الكلام ، ولفظ الإيجاد يوجب تحقّق المعنى الاشتقاقي فيه ، كما أنّ لفظ البيع يوجب تحقّق المعنى الاشتقاقي في كلمة «اللابن» ، فحينئذ يصدق المتكلّم على الله تعالى ، كما يصدق على الإنسان بلا فرق بينهما أصلا ، إلّا أنّا نتكلّم باللسان ، ولكنّه تعالى يوجد
__________________
(١) الكافي ١ : ١٠٧ ، الحديث ١.