بذلك.
أقول : للتأمّل في
هذا المقال مجال من جهات مختلفة :
الأوّل : أنّه لو
قلنا بأنّ الواضع هو الله تعالى وينتقل هذا إلى الناس بواسطة وحي إلى الأنبياء
فإنّه كاشف عن أهمّيّة مسألة الوضع ، فلا بدّ من تصدّي التواريخ أو أحد الكتب
السماويّة لضبطه ولو بصورة قصّة من قصص الأنبياء السالفة ، مع أنّه لم تذكر هذه
المسألة في أيّ عصر وزمان ولم يرد في من تصدّى لها خبر ولا أثر.
الثاني : أنّ دعوى
انتقال الوضع من الله تعالى إلى الناس بصورة الإلهام أو إيداع ذلك في طباعهم مدفوع
، بأنّ المراد من الإلهام أو الإيداع هل هو الإلهام أو الإيداع إلى كلّ النفوس إلى
يوم القيامة ، أو إلى عدّة من الناس في أوّل الخلقة؟ فلو كان المراد هو الأوّل فلا
يناسب هذا جهلنا باللّغات ، ولو كان المراد هو الثاني فلا يناسب هذا تكثّر اللغات.
وإن قلنا : إنّ مسألة
تكثّر اللغات أيضا منتسب إلى الله تعالى ، بأنّ نبيّا من الأنبياء بلّغ أحكام الله
باللسان العربي ، والآخر بلسان سرياني ، وهكذا في جميع اللغات والألسنة ، أو أنّ
الله تعالى ألهم أو أودع إلى عدّة من الناس اللغة العربيّة ، وإلى عدّة اخرى اللغة
الفارسيّة ، وهكذا في جميع اللغات.
ولكنّه لا يناسب
غاية الوضع وغرضه الذي كان عبارة عن السهولة في التفهيم والتفهّم والسهولة في
انتقال الأغراض والمقاصد ، ومعلوم أنّ أصل تكثّر اللّغات مبعّد عن هذا الغرض ، ولا
يخفى على أحد أولويّة وحدة اللغة واللّسان في العالم ، وأنّ تكثّر اللغات أوجب
التعب والألم الشديد للمحقّقين والتلامذة.
وأمّا قوله تعالى
: (وَمِنْ آياتِهِ
خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ