لعلم النحو وهكذا ، وهذا خلاف ما أرادوا ، لأنّهم كانوا في مقام أنّ بالحيثية يمتاز كل موضوع علم عن موضوع العلم الآخر. وعلى هذا لا يثبت ذلك لأنّ مع التّقييد بالحيثية التي هي موضوع لعلم آخر صار موضوعا لعلم آخر ، كما قلنا من أنّه على تقدير كون الحيثية تقييدية فالكلمة مثلا مع التقييد بحيثية الإعلال والبناء موضوع لعلم النحو ، وان كان المراد من كلامهم ما توهّمه صاحب الفصول رحمهالله فيرد عليهم إشكال آخر أيضا ، وهو أنّه على هذا يكون المحمول ضرورية دائما ، لأنّ مع تقييد الموضوع به يصير ضروريا.
وإن قلت : إنّ كلّ عرض ذاتي ضروري للمعروض ، أقول : بعد النظر والدليل يصير كذلك لا قبل ذلك ، ولكن على ما توهّم من مرادهم قبل النظر يكون المحمول ضروريا لتقييد الموضوع به ، فمع فرض الموضوع يكون المحمول ضروريا. وهذا باطل.
ولأجل هذا الإشكال ذهب صاحب الفصول رحمهالله الى التوجيه بنحو آخر وهو : أنّ تمايز الموضوعات بتمايز جهة البحث بمعنى أنّ بعد كون موضوع واحد موضوعا لعلمين فتمايز كلا الموضوعين من الآخر إنّما هو بتمايز جهة البحث. ولكن فيه أنّ لازم ذلك كون تمايز العلوم بالموضوعات والمحمولات كليهما ؛ لأنّ معنى كون جهة البحث دخيلا في الموضوعات هو هذا ، فافهم.
ولكن مع ذلك نقول بأنّ قولهم تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات صحيح وفي محلّه. بيانه : أنّ بعض الأشياء قابل لعروض بعض العوارض لها بمعنى أنّ لها استعداد وقابلية لقبول بعض العوارض ، مثلا الكلمة قابلة لقبول عوارض مثل الإعلال والبناء ، والإعراب والبناء ، والفصاحة والبلاغة ، ففيها هذه القابلية تكون موجودة ففي كون قابلية عروض بعض العوارض لبعض الأشياء لا شبهة ولا ترديد ، وأنّ هذه القابلية تارة تصل لمرتبة الفعلية وتارة لا تصل لمرتبة