ثانيها : أنّ التكاليف المتعلّقة بالطبائع المنتزعة من الأفعال إنّما يتعلّق حقيقة بتلك الأفعال الّتي ينتزع منها الطبائع المفروضة ، لا بمجرّد تلك الطبائع من حيث هي. فمفاد الأمر بالصلاة هو الإتيان بالفعل الّذي ينتزع منه تلك الطبيعة ، فالمطلوب هو نفس الحركات والسكنات ـ مثلا ـ الصادرة عن المكلّف نظرا إلى انتزاع الصلاة منها ، لا أنّ المأمور به هو تلك الامور المنتزعة من غير أن تكون نفس الأفعال الصادرة مطلوبة للآمر وإنّما تكون مطلوبة تبعا من جهة إيصالها إلى المطلوب ، نظرا إلى قيام المطلوب بها وتبعيّته لوجودها ، بل هي مطلوبة بعين مطلوبيّة الفعل المنتزع منها ، وفهم العرف أقوى شاهد على ذلك. ألا ترى أنّه لو قال «ايتني بأخي زيدا وبأبي عمرو» كان المفهوم منه هو الإتيان بالذات الّتي ثبت له المفهوم المذكور ـ أعني المضاف المشهوري دون المضاف الحقيقي ـ وحينئذ فنقول : إنّ ما ينتزع منه المأمور به والمنهيّ عنه أمر واحد في الخارج وقد عرفت تعلّق الطلب به فعلا وتركا فيلزم اجتماع الضدّين بالنسبة إليه حسب ما قرّرناه.
ثالثها : أنّ المفروض في محلّ البحث كون النسبة بين الطبيعتين هو العموم من وجه ، وقضيّة ذلك اجتماع الطبيعتين المفروضتين في المصداق ، كيف! ولو لم تجتمعا في المصداق وكان مصداق كلّ منهما مغايرا للآخر لكانت النسبة بينهما تباينا كلّيا هذا خلف. فتغاير كلّ من الطبيعتين للآخر بحسب الوجود بملاحظة ذاتها حسب ما قرّر لا ينافي اتّحادهما ولو بالعرض من بعض الوجوه ، ألا ترى أنّ الحيوان والأسود يصدقان على شيء واحد ويحملان عليه مع كون مفاد الحمل هو الاتّحاد في الوجود ، ولا ينافيه كون وجود ذلك المصداق في نفسه مغايرا لوجود السواد في نفسه ـ أعني الأسود بما هو أسود ـ فهناك جهة اتّحاد في الخارج وجهة مغايرة ، وإنّما يصحّ الحمل بملاحظة الجهة الاولى دون الثانية ولذا لا يصحّ حمل السواد على الجسم ويصحّ حمل الأسود عليه.
إذا تقرّر ذلك فنقول : إنّ ما يتعلّق به الأمر والنهي من الماهيّات الملحوظة في المقام إنّما اعتبرت بالجهة الاولى ، إذ المفروض كون النسبة بين المأمور به