ثمّ أقول : الحديث
المتواتر بين الفريقين المشتمل على حصر الامور في ثلاثة : «أمر بيّن رشده ، وأمر
بيّن غيّه ، وشبهات بين ذلك» . وحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» ونظائرهما أخرج كلّ واقعة لم يكن حكمها بيّنا عن البراءة
الأصليّة وأوجب التوقّف فيها ثمّ استشهد بكلام بعض العامّة قال :
ثمّ أقول :
الاشتباه قد يكون في وجوب فعل وجودي وعدم وجوبه مثلا ، وقد يكون في حرمة فعل وجودي
وعدم حرمته مثلا ، وقد جرت عادة العامّة وعادة المتأخّرين من علماء الخاصّة
بالتمسّك بالبراءة الأصلية في المقامين ، ولمّا أبطلنا جواز التمسّك بها ـ لعلمنا
بأنّه تعالى أكمل لنا ديننا ، ولعلمنا بأنّ كلّ واقعة تحتاج إليها الامّة إلى يوم
القيامة أو تخاصم فيها اثنان ورد فيها خطاب قطعي من الله تعالى خال عن معارض ،
ولعلمنا بأنّ كلّ ما جاء به نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم مخزون عند العترة الطاهرة ، ولعلمنا بأنّهم عليهمالسلام لم يرخّصوا في التمسّك بالبراءة الأصليّة في ما لم نعلم
الحكم الّذي ورد فيه بعينه ، بل أوجبوا التوقّف في كلّ ما لم نعلم حكمه بعينه
وأوجبوا الاحتياط في بعض صوره ـ فعلينا أن نبيّن ما يجب أن يعمل به في المقامين ،
وسنحقّقه بما لا مزيد عليه في الفصل الثامن ، وقد ذكر هناك وجوب الاحتياط بالفعل
فيما إذا ورد نصّ صحيح صريح في كون الفعل مطلوبا غير صريح في وجوبه وندبه إذا كان
ظاهرا في الوجوب ، وكذا لو كان تساوى الاحتمالين ، ولو كان ظاهرا في الندبيّة بنى
فيه على جواز الترك ، وكذا فيما إذا بلغنا حديث ضعيف دالّ على وجوب شيء.
واحتجّ عليه بقوله
صلوات الله عليه : «ما حجب الله علمه عن العباد موضوع عنهم» وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : رفع القلم عن تسعة أشياء من جملتها ما لا يعلمون ، قال : فنحن معذورون ما دمنا
متفحّصين ، وخرج عن تحتهما كلّ فعل وجودي لم
__________________