وفيه يعني بالإصر الشدائد الّتي كانت على من كان قبلنا ، فأجابه الله تعالى إلى ذلك فقال : قد رفعت عن أمّتك الآصار الّتي كانت على الامم السالفة ، وذكر جملة من أحكامها.
وروى في قرب الاسناد عنه صلىاللهعليهوآله قال : أعطى الله امّتي ثلاث خصال لم يعطها الأنبياء. وعدّ منها قوله : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) يقول من ضيق.
وقد يقال : إنّ التكاليف الشاقّة الّتي كانت على بني إسرائيل إنّما كانت شاقّة بالنسبة إلينا لو كلّفنا مثل تكليفهم ولذلك رفعت عنّا ولم يكن بالنسبة إليهم حرجا وإصرا ، نظرا إلى ما نقل من بسطة الأوّلين في الأعمار والأجسام وشدّتهم وطاقتهم على تحمّل شدائد الامور.
وربما يؤيّده ما ورد في حديث المعراج من قول موسى عليهالسلام لنبيّنا صلىاللهعليهوآله : إنّ امّتك لا يطيق ذلك. فيكون الحرج منفيّا في جميع الملل وإنّما يختلف الحال باختلاف أهلها فما هو حرج بالنسبة إلينا لم يكن حرجا حيث شرّع ، لكن الامتنان بنفي الحرج في هذا الدين ورفع الأغلال والآصار يمنع من ذلك.
فالوجه في المقام التمسّك بالأدلّة النقليّة : من الآيات الشريفة ، والأخبار المتواترة ، وإجماع الطائفة المحقّة. قال الله سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) وقال عزّ من قائل : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)(٣) وقال جلّ شأنه : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(٤) وهو بمنزلة التعليل لحكم إفطار المريض والمسافر.
وأما قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(٥) فظاهره عامّ في جميع الامم فالغرض نفي التكليف بما لا يطاق.
ومنه قوله عليهالسلام : الله أكرم من أن يكلّف الناس ما لا يطيقون (٦). وقوله : لم يكلّف
__________________
(١) قرب الاسناد : ص ٨٤ ح ٢٧٧.
(٢) سورة الحج : ٧٨.
(٣) سورة المائدة : ٦.
(٤) سورة البقرة : ١٨٥.
(٥) سورة البقرة : ٢٨٦.
(٦) البحار : ج ٥ ص ٤١ ح ٦٤.