وإن اريد به حقيقة التكليف به حال وقوعه رجع إلى ما عرفت.
الشرط الثاني (١) : انتفاء المفسدة في نفس الأمر من جميع الجهات وحسن صدوره من الآمر بكلا معنييه ـ الأعمّ والأخصّ ـ بمعنى رجحان وجوده على عدمه على الوجه الّذي يقع عليه من زمانه ومحلّه وسائر قيوده. ولا يجب رجحان وقوع الفعل في حدّ ذاته ، لإمكان حصول الفائدة في الأمر دون المأمور به. فلا يجوز إهماله من الحكيم ، بل قد يتصوّر كون الفعل مرجوحا ويكون رجحان الأمر غالبا عليه ، إلّا أنّ الغالب أن يكون رجحان الأمر مبنيّا على رجحان المأمور به ، بل لم نقف على خلافه في الشرع وإن أمكن في نظر العقل.
وأمّا الأمر فلا يكفي حسنه بالمعنى الأعمّ ، لامتناع اللغو والعبث على الحكيم ، فلا يصدر منه ما يتساوى وجوده وعدمه. بل لا يمكن صدور الراجح مع وجود الأرجح منه بمجموع الاعتبارات المتصوّرة فيه حيث يدور الأمر بينهما ، لقبح ترجيح المرجوح على الراجح. فلا بدّ من وقوع كلّ فعل من أفعال الحكيم القادر على الإطلاق على الوجه الّذي لا يمكن أرجح منه في تلك الحال بملاحظة جميع الجهات المنضمّة إليه. ويمكن وقوع أحد المتساويين حيث يشتركان في حصول المصلحة المقصودة ولا يكون بينهما فرق بشيء من الوجوه الممكنة. فمع تساوي نسبتها إليهما وانتفاء المرجّح بينهما يتعيّن اختيار أحدهما ، لعدم جواز تفويت تلك المصلحة بتركهما وانتفاء ما يقتضي الجمع بينهما.
وخالف في ذلك من زعم استحالة ابتناء أفعاله سبحانه على الأغراض المطلوبة والمصالح المقصودة ، فضلا عن القول بتساوي جميع الأفعال الاختياريّة في صفاتها الذاتيّة وانتفاء صفتي الحسن والقبح فيها بالكلّية. وهو إنكار لحكم العقل من غير عقل ، كما تقرّر في محلّه.
الرابع المأمور به. ويعتبر فيه امور :
منها : أن يكون من جنس الأفعال أو التروك على وجه يأتي في النهي ، فلا
__________________
(١) من شرطي الأمر ، تقدّم أوّلهما في ص ٧٢٠.