الجهل.
إذا عرفت ذلك فنقول : أما الأمر الثاني ، فقد ذكر غير مرة ان الصحيح فيه التفصيل ، فان العنوان التوليدي ان كان مما ينطبق على نفس ما ينطبق عليه العنوان المتولد بنظر العرف ، كعنوان الإيذاء والهتك ونحوهما ، فالحكم المتعلق بالعنوان التوليدي يتعلق بما يتولد منه لا محالة ، لوحدة الوجود خارجا ، فلا عبرة بتعدد العنوان حينئذ. واما إذا كان العنوان التوليدي مغايرا في الوجود مع ما يتولد منه ، كالإحراق المتولد من الإلقاء ، حيث انهما موجودان بوجودين ، ضرورة ان الملاقاة مغايرة مع الاحتراق خارجا ، فإيجاد كل منهما غير إيجاد الآخر ، فان الإيجاد والوجود متحدان بالذات ومختلفان بالاعتبار ، فلا يسري حرمة العنوان التوليدي إلى ما يتولد منه ، وحيث ان الإضرار الّذي هو من العناوين التوليدية من قبيل القسم الأول فحرمته عبارة أخرى عن حرمة ما يتولد منه ، فالحكم بالصحّة في مفروض المقام يدور مدار إثبات الأمر الأول.
وقد اختلف في ذلك الأنظار. وذكر الشيخ رحمهالله في رسالته المعمولة في قاعدة لا ضرر (١) أن الإضرار بالنفس كالإضرار بالغير محرم بالأدلة العقلية والسمعية.
ولكن التحقيق عدم ثبوت ذلك على إطلاقه ، إذ العقل لا يرى محذورا في إضرار الإنسان بنفسه بصرف أمواله كيف ما شاء ما لم يبلغ إلى حد السرف والتبذير ، ولا بإضرار نفسه بتحمل ما يضر بصحة بدنه فيما إذا ترتب عليه غرض عقلائي ، كما في سفر التجارة أو الزيارة ونحوه ، ولم يرد في الشرع ما يدل على تحريم الإضرار بالنفس مطلقا.
__________________
(١) رسائل فقهية للشيخ الأنصاري : ١١٦.