ثم أورد عليه ثالثا : بأنّ الأمر يدور بين رفع اليد عن ظهور الأمر في الآيتين في الوجوب وحمله على الاستحباب وبين تخصيصه لغير المستحبات ، فانّ الفور غير لازم فيها ، ولازمه التخصيص المستهجن ، ولا ريب في انّ الأول لو لم يكن أولى ليس بأدون من الثاني.
وهذا الإشكال وارد جدا.
ولكن التحقيق : انّ آية المسارعة أجنبيّة عن الفور بالكلّية ، فانّ المغفرة انما هي فعل الرب ولا معنى للمسارعة إليها الا بالمسارعة إلى مقدماتها وأسبابها ، وليس إتيان كل واجب أو مستحب سببا للمغفرة إلّا بعض الأعمال الخاصّة التي ثبت فيها ذلك بالدليل كزيارة الحسين عليهالسلام. فما هو سبب المغفرة انما هو الندم والتوبة ، فالمراد من المغفرة ذلك ومن الأمر وجوب المسارعة إليها.
المقام الثاني : على فرض تسليم الفور فوجوب الإتيان بذات العمل إذا لم يؤت به فورا وعدمه مبني على كون وجوب الفور بنحو وحدة الطلب وتعدده ، فان كان من قبيل الأول فلا يجب الإتيان به ثانيا ، لأنّ المقيد يزول بزوال قيده ، وامّا ان كان من قبيل الثاني فيجب ذلك ، لأنّ عصيان أحد الخطابين لا يستدعي سقوط الخطاب الآخر.
ثم انه لو استفدنا وجوب الفور من نفس دليل الواجب ، فيكون ذلك بنحو وحدة المطلوب. واما لو استفدناه من الآيتين يكون بنحو تعدد المطلوب ، لا لمجرد كون الدليل المقيد منفصلا ، فانّ التقييد المنفصل كالمتصل في ظهوره في وحدة المطلوب وهو كاشف عن تقيد المطلوب بذلك القيد من أول الأمر ، بل لخصوصية في الآيتين وهي ما تقدم من انّ تعليق المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخيرات ظاهر في ثبوت الخير مع عدم المسارعة أيضا ، ولا يتم ذلك إلّا على تعدد المطلوب ، فعليه يجب الإتيان بذات العمل وان لم يأت به فورا.