وقال : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) (١).
إلى غير ذلك من الآيات والأخبار.
ويظهر من المفسّرين أنّهم اختلفوا في معناه.
قال في مجمع البيان : «واختلف في الصّور ، فقيل : هو قرن ينفخ فيه ، عن ابن عبّاس وابن عمر. وقيل : هو جمع صورة ، وإنّ الله تعالى يصوّر الخلق في القبور كما صوّرهم في أرحام الأمّهات ، ثمّ ينفخ فيهم الأرواح كما نفخ وهم في أرحام أمّهاتهم ، عن الحسن وأبي عبيدة. وقيل : إنّه ينفخ إسرافيل في الصّور ثلاث نفخات : فالنفخة الأولى الفزع ، والثانيّة نفخة الصّعق التي يصعق من في السموات والأرض بها فيموتون ، والثالثة نفخة القيام لربّ العالمين ، فيحشر الناس بها من قبورهم (٢) ، انتهى.
وأقول : إنّ ما نقله عن ابن عبّاس وابن عمر مبناه على كون الصور اسما مفردا بمعنى القرن كما جاء في اللغة بمعناه ، وعلى كون النفخ فيه بمعنى إحداث صوت عظيم فيه ، وصيحة هائلة هما بفعل إسرافيل عليهالسلام المأمور بذلك من عند الله تعالى ، كما هو مدلول كثير من الأخبار.
كما أنّ ما نقله عن الحسن وأبي عبيدة مبناه على كون الصور جمع صورة ، فإنّ جمعها كما يجيء بصيغة الصّور بضم الصاد وفتح الواو ، كذلك يجيء بإسكان الواو ، وعلى كون النفخ فيه بمعنى إعادة الروح إلى الصورة البدنيّة مرة أخرى ، أي حشرها وبعثها. إلّا أنّ المعنى الأوّل هو المشهور المعروف بين العلماء من معنى نفخ الصور ، ويؤيّده دلالة ظاهر أخبار كثيرة بل صريحها عليه ، كما يعلم بالتتبّع. وكذلك يؤيّده ظاهر آيات كثيرة واردة في ذلك ، مثل قوله تعالى :
(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ* قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ* إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا
__________________
(١) النبأ (٧٨) : ١٨.
(٢) مجمع البيان ٦ / ٤٩٦.