للتأليف الخاصّ ولا للهيئة التركيبيّة الخاصّة مدخل من حيث الخصوصيّة في تشخّصه البدني ، وإلّا لزال تشخّصه البدنيّ بوقوع استحالات وتغيّرات كثيرة فيه ، وزال بسببه تشخّص الشخص الإنسانيّ أيضا لزوال المجموع بزوال الجزء. فبقي أن يكون المدخل في بقاء تشخّص بدنه للأجزاء الأصليّة من بدنه من حيث الخصوصية وفي تشخّص الشخص الإنسانيّ لذلك ولبقاء تشخّص نفسه جميعا ، وهو المطلوب.
وكأنّه يشير إليه قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) (١).
وقد روى الشّيخ الطّبرسيّ (ره) في كتاب «الاحتجاج» عن حفص بن غياث : قال : شهدت المسجد الحرام وابن أبي العوجاء يسأل أبا عبد الله عليهالسلام عن قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) (٢). ما ذلك (ذنب خ) الغير؟ قال : ويحك هي هي ، وهي غيرها. قال : فمثّل لي ذلك شيئا من أمر الدنيا. قال : نعم ، أرأيت لو أنّ رجلا أخذ لبنة فكسّرها ، ثمّ ردّ في ملبنها ، فهي هي وهي غيرها (٣).
وفي هذا الحديث دلالة صريحة على ما نحن بصدد بيانه ، فافهم.
ثمّ إنّه من جملة المقدّمات لهذا المطلب الذي نحن بصدد بيانه هنا ، ما أسلفنا لك في مقدّمة الرسالة ، أنّ النفس الإنسانيّة لتجرّدها عن المادّة في ذاتها باقية بعد خراب البدن غير فانية ، حيث أقمنا هناك الدلائل العقليّة والنقليّة عليه ، وأقمنا البرهان العقليّ في الباب الثاني على تجرّدها ، وما أسلفنا لك في المقدّمة أيضا أنّ البدن الإنسانيّ على كلّ مذهب من المذاهب المقولة في الجسم وقالت به الحكماء والمتكلّمون ، لا ينعدم بالموت بالمرّة ، حتّى لا يمكن إعادته لكونه إعادة للمعدوم ، كما مرّ الدليل العقليّ على إبطالها ، بل الموت عبارة عن قطع تعلّق النفس عن البدن الأوّل بهيئته ، وعن تفرّق أجزاء البدن. وقد أسلفنا لك هنالك أيضا أنّ الحقّ كما دلّ عليه الدليل السّمعيّ ولا يأباه العقل ، بقاء الأجزاء الأصليّة من بدنه ببقاء النفس.
__________________
(١) النساء (٤) : ٥٦.
(٢) نفس الآية.
(٣) راجع الاحتجاج للطبرسيّ ٢ / ١٠٤.