قياس معقود للتنبيه عليها. كيف ولو كانت مقدّمة من المقدّمات بمجرّد إمكان عقد قياس للتنبيه عليها كسبيّة ، لزم أن لا يكون شيء من المقدّمات البديهيّة ، حتّى البديهيّات الأوّليّة بديهيّة ، بل كسبيّة ، فإنّه يمكن عقد قياس لكلّ ذلك. مثلا يمكن أن يقال : إن هذا كلّ لذاك ، وذاك جزء منه ، وكلّ ما كان كلّا فهو أعظم من جزئه ، فهذا أعظم من ذاك.
ومن تلك الأوهام ما نقله المحقّق الطوسيّ في شرح الإشارات عن الإمام الرازي ودفعه ، حيث قال. في مقام التنبيه على أغلاط الإمام ودفع اعتراضاته على الشيخ في هذا المقام (١) :
«ثمّ عارضه ـ أي الإمام الشيخ ـ بأنّ الإنسان يعلم ذاته المخصوصة ، ولا يخطر بباله تصوّر النفس التي يقولون بها ، فكلّ ما يجعلونه عذرا عن ذلك ، فهو عذر عن هذا الكلام.
وأقول : ليت شعري ما يريد بالنفس التي يقولون بها؟
إن أراد بها ذات الإنسان المدركة المحرّكة ، فلا مغايرة.
وإن أراد بها شيئا آخر ، فالشيخ لم يقل بها». انتهى.
وتقرير هذا الوهم : أنّ ما ادّعاه الشيخ من أنّ الإنسان عالم بثبوت ذاته في جميع الحالات ، وغافل أحيانا عن جميع أعضائه ، والمعلوم مغاير لما ليس بمعلوم ، فذاته المعلومة التي ليست هي إلّا نفسه مغايرة لأعضائه ، معارض بمثله. وهو أنّ الإنسان يعلم ذاته المخصوصة في جميع الأحوال ، ولا يخطر بباله في بعض الأحوال تصوّر النفس التي يقولون بها ، وبأنّها عين ذاته. والحال أنّ المعلوم مغاير لما ليس بمعلوم ، فذاته مغايرة لنفسه ، مع أنّهم لا يقولون بالمغايرة ، بل يقولون بالعينيّة ، كما جزم به الشيخ ، فكلّ ما يجعلونه عذرا عن هذه المعارضة ، فهو عذر عمّا ذكره الشيخ في التنبيه.
وهذا إذا قرّر كلام الإمام على سبيل المعارضة ، كما فهمه المحقّق الطوسي (ره).
ويمكن تقريره أيضا على سبيل النقض الإجماليّ أو التفصيليّ.
امّا الأوّل فبأن يقال : لو كان ما ذكره الشيخ حقّا بجميع مقدّماته ، لزم أن يكون ذات
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٢٩٨.