مع قطع النظر عن الفرض الذهني ، حيث كان المحمول أو مبدؤه منتزعا من كلا الوجودين كما في قولنا : الأربعة زوج ، وقد يكون وجودا ذهنيّا واقعيّا مع قطع النظر عن الفرض الذهني كما في قولنا : الإنسان نوع والحيوان جنس ، فإنّ النوعيّة والجنسيّة إنّما تنتزعان من الطبيعة الكلّية للإنسان والحيوان من حيث وجودهما في النفس ، لكن لا بمحض وجودهما الذهني الفرضيّ الاختراعي ، بل بوجودهما في النفس وجودا واقعيّا يترتّب عليه الآثار الواقعيّة المطلوبة منه ولو قطع النظر عن فرض الذهن وجودهما فيه.
وعلى التقادير فوجود الموضوع في الواقع ، أي مشارا به إلى واقع كما فصّلنا في الخبر الإيجابي ممّا لا خفاء فيه ، أعمّ من أن يكون ثبوت المحمول له حين الحكم كما في الأمثلة المذكورة أو بعده كما في قولنا : القيامة تكون ، والمعدوم الممكن يجوز أن يوجد ومن سيوجد يجوز أن يتعلّم ، وأمثال ذلك ، أو قبله كما في قولنا : وقائع الامم الماضية قد كانت.
ومن هذه الجملة يظهر أنّ الحكم الإيجابي الذي الغرض فيه الإيجاب كما يقتضي وجود الموضوع في الواقع كما فصّلناه كذلك يقتضي وجود المحمول أيضا فيه ، حتّى العدميّات ، إلّا أنّ وجود الذاتيّات بالذات والعرضيّات بالعرض.
وما ذكرنا كلّه ظاهر في الصوادق من الأحكام الإيجابيّة ، وأما في الكواذب منها كالاختراعيات المحضة منها فلا يقتضي وجود الموضوع في الواقع ، ولا وجود المحمول فيه ، بل إنّما يكون وجودها بمحض الفرض كما في قولنا : للأغوال أنياب ، والعنقاء طائر طويل العنق يسكن الجبال ، وأمثال ذلك.
وهذا كلّه بخلاف الحكم السلبي مطلقا سواء كان صادقا أو كاذبا حيث كان المقصود فيه السلب ، فإنّه لا يقتضي سوى وجود الموضوع في الذهن ، أي من جهة فرض الذهن له واختراعه إيّاه ، وأمّا الوجود الواقعي فلا ، بل قد يكون وقد لا يكون.
فظهر من ذلك معنى قول القوم : إنّ الإيجاب يقتضي وجود الموضوع بخلاف السلب.
وظهر أيضا أنّ المعدوم المطلق لا يخبر عنه مطلقا ، لا خبرا إيجابيّا ولا خبرا سلبيّا ، أمّا الإيجاب فلكونه يقتضي وجود الموضوع في الذهن وفي الواقع جميعا ، والمفروض كونه معدوما مطلقا غير موجود في شيء من الذهن والواقع أصلا ؛ هذا خلف ، وأمّا السلب ، فلكونه أيضا يقتضي وجوده في الذهن ، وإن كان بمحض الفرض ، والمفروض خلافه ،