الجائز هل يقع أم لا؟
ومبنى خلافهم على أنّ المعدوم هل يعاد أم لا ، وهي المسألة الثانية في أنّ المعدوم هل يصحّ عوده أم لا؟ فمن قال منهم بجواز إعادته ، قال إنّ العالم يعدم قبل القيامة ثمّ يعاد مرّة ثانية كما كان أوّلا ، ومن منع من إعادته ، منع عدمه وقال إنّ الإعادة معناها جمع الأجزاء بعد تفرّقها وتلاشيها وتأليفها على مثل الحالة الاولى ، فالمعدوم هو التأليف وهو لا يعاد بعينه ، وإنّما يعاد تأليف آخر مثله ، فهو في الحقيقة تأليف مبتدأ ، لكن لما كان مماثلا للأوّل قيل بإعادة الأجسام باعتبار حصوله على الهيئة الاولى.
هذا رأي القائلين بأنّ المعدوم ليس شيئا. وأمّا الذين قالوا إنّ المعدوم شيء في العدم ، قالوا إذا عدم الوجود بقيت الشيئيّة (١) المخصوصة ، فعند العود يفيض عليها الوجود مرّة ثانية كما أفاضها عليه أوّلا.
أقول : وإلى هذا أشار بعض أهل الحكمة ، بقوله : «إنّ الموجود المطلق لا يعدم أصلا ، وإنّ المعدوم المطلق لا يوجد أصلا ، والإعدام والإيجاد بالنسبة إلى الممكنات عبارة عن تفريق أجزاء صورة إلى صورة اخرى ، وتبديل أوضاعه إلى أوضاع اخر. ومن هذا قيل : إنّ الممكنات غير متناهية ، وإنّ مظاهرها لا نهاية لها. ـ انتهى كلامه رحمهالله.» (٢)
وقال المحقّق الطوسي رحمهالله في التجريد : «والإمكان يعطي جواز العدم. والسّمع دلّ عليه. ونتأوّل في المكلّف بالتفرّق كما في قصّة إبراهيم عليهالسلام.» (٣)
وقال القوشجي في شرحه : «اختلفوا في أنّ العالم هل يصحّ أن يعدم ويفنى أم لا؟ فذهبت الفلاسفة إلى امتناعه ذهابا إلى أنّه قديم وما ثبت قدمه امتنع عدمه. والكرّامية والجاحظ إلى أنّ العالم محدث ومع ذلك ممتنع الفناء. وذهبت الأشاعرة وأبو على إلى أنّ جواز فناء العالم يعلم بالعقل. وذهب أبو هاشم إلى أنّه إنّما يعرف بالسمع. والمصنّف اختار أنّ جواز عدمه يعلم بالعقل ، ووقوع عدمه بالسمع.
أمّا الأوّل ، فلأنّه ممكن ، والممكن يجوز له العدم كما يجوز له الوجود ، اذ لو امتنع عليه العدم لزم الانقلاب من الإمكان [الذاتي] إلى الوجوب [الذاتي] ، وإلى هذا المعنى أشار
__________________
(١) النسبة (خ ل).
(٢) المجلي : ٤٩٦ ـ ٤٩٧.
(٣) شرح التجريد للقوشجي : ٤٩٣ وفيه متن التجريد أيضا.