أجمع عليه في عصر سابق ، أن يبحث في الوقائع الّتي ثبت لها حكم بواحد من الأدلّة الثلاثة السابقة ، عن واقعة تشبه الّتي يبحث عن حكمها ، فإذا وجدها بحث عن المعنى الّذي من أجله شرّع حكمها وهو المسمّى في الاصطلاح بعلّة الحكم ، فإذا عرفه ووجد أنّه موجود في الواقعة الجديدة غلب على ظنّه أنّهما متساويان في الحكم بناء على تساويهما في العلّة فيلحقها بها ويثبت لها حكمها.
وهذه العملية هي الّتي تسمّى القياس. وهو دليل نصبه الشارع لمعرفة الأحكام ، لكنّه لا يلجأ إليه إلّا إذا لم يجد ما هو أقوى منه ، ولذلك كان في المرتبة الرابعة في قائمة الأدلّة. (١)
هناك عدّة ملاحظات :
الأولى : إذا كان القياس دليلا في ما لم يكن هناك دليل شرعي من الكتاب والسنّة والإجماع ، فكيف يخصّص به عموم الكتاب وإطلاقه حيث ذهب الأئمّة الأربعة والإمام الأشعري وجماعة من المعتزلة كأبي هاشم وأبي الحسين البصري إلى جوازه (٢) ، مع أنّ موضوعه ما لا نصّ فيه ، والإطلاق والعموم دليل في المسألة.
وتوهّم أنّ القياس خاص ، والخاص يقدّم على العام ، غير تام ، وذلك لأنّ الخاص إنّما يقدّم على العام فيما إذا ثبتت حجّيته في مقابل الكتاب ،
__________________
(١) أصول الفقه الإسلامي : ١٨٩.
(٢) لاحظ الإحكام للآمدي : ٢ / ٢١٣ ؛ تيسير التحرير : ١ / ٣٢١.