وكان حسن الأخلاق ، سليم الصّدر ، كثير التّواضع ، يعاني زيّ الأعراب في لباسه ومركبه و... (١).
وكان بطلا شجاعا من الفرسان المعدودين.
قال الشّيخ قطب الدّين (٢) : حدّثني تاج الدّين نوح ابن شيخ السّلاميّة أنّ الأمير عزّ الدّين أيدمر العلائيّ نائب صفد حدّثه قال : كان الملك الظّاهر مولعا بالنّجوم ، فأخبر أنّه يموت في هذه السّنة بالسّمّ ملك. فوجم لذلك ، وكان عنده حسد لمن يوصف بالشّجاعة ، أو يذكر بجميل. وأنّ الملك القاهر لمّا كان مع السّلطان في وقعة البلستين فعل أفاعيل عجيبة ، وبيّن يوم المصافّ ، وتعجّب النّاس منه ، فحسده. وكان حصل للسّلطان نوع ندم على تورّطه في بلاد الرّوم ، فحدّثه الملك القاهرة بما فيه نوع من الإنكار عليه ، فأثّر أيضا عنده. فلمّا عاد بلغه أنّ النّاس يثنون على ما فعل الملك القاهر ، فتخيّل في ذهنه أنّه إذا سمّه كان هو الّذي ذكره المنجّمون ، فأحضره عنده يوم الخميس ثالث عشر المحرّم لشرب القمز ، وجعل السّقية في وريقة في جيبه. وكان للسّلطان ثلاث هنابات مختصّة به ، كلّ هناب (٣) مع ساق ، فمن أكرمه السّلطان ناوله هنابا منها.
فاتّفق قيام القاهر ليبزل (٤) ، فجعل السّلطان ما في الوريقة في الهناب ، وأمسكه بيده ، وجاء القاهر فناوله الهناب ، فقبّل الأرض وشربه.
وقام السّلطان ليبزل فأخذ السّاقي الهناب من يد القاهر وملأه على العادة ووقف. وأتى السّلطان فتناول الهناب وشربه وهو لا يشعر أو نسي ، فلمّا شرب أفاق على نفسه ، وعلم أنّه شرب من ذلك الهناب وفيه آثار من السّمّ ، فتخيّل وحصل له وعك وتمرّض ومات.
__________________
(١) بياض في الأصل مقدار ثلاث كلمات. والموجود في (المختار من تاريخ ابن الجزري) : «ويتخلّق بأفعالهم في كثير من أوصافه».
(٢) في ذيل مرآة الزمان ٣ / ٢٧٢.
(٣) الهناب : قدح الشراب.
(٤) البزل البزال : التصفية ، يبزل : يصفّي. (تكملة المعاجم العربية ١ / ٣٢٧).