وقد دخل الرّوم ، قبل موته بشهرين ، وكسر التّتار ، ودخل مدينة قيصريّة ، وجلس بها في دست الملك ، وصلّى بها الجمعة ، وخطبوا له ، وضربت السّكّة باسمه ، وذلك في ذي القعدة ، ثمّ رجع وقطع الدّربند ، وعبر النّهر الأزرق ، ودخل دمشق في سابع المحرّم مؤيّدا منصورا ، فنزل بالقلعة ، ثمّ انتقل إلى قصره الأبلق ، فمرض في نصف المحرّم ، وانتقل إلى عفو الله وسعة رحمته يوم الخميس بعد الظّهر الثّامن والعشرين من المحرّم بالقصر ، وحمل إلى القلعة ليلا مع أكابر أمرائه ، وغسّله وصبّره المهتار شجاع الدّين عنبر ، والكمال عليّ بن المتيجيّ الإسكندرانيّ المؤذّن ، والأمير عزّ الدّين الأفرم. ووضع في تابوت ، وعلّق في بيت بالقلعة ، وهو في أوّل عشر السّتّين.
وخلّف عشرة أولاد : الملك السّعيد محمد ، وسلامش ، وخضر ، وسبع بنات.
قال ذلك الشّيخ قطب الدّين (١) ، وقال : كان له عشرة آلاف مملوك.
وحكى الشّيخ شرف الدّين عبد العزيز الأنصاريّ الحمويّ قال : كان الأمير علاء الدّين البندقدار الصّالحيّ لمّا قبض وأحضر إلى حماة واعتقل بجامع قلعتها ، اتّفق حضور ركن الدّين بيبرس مع تاجر ، وكان الملك المنصور إذ ذاك صبيّا ، فأراد شراء رقيق تبصره الصّاحبة والدته. فأحضر بيبرس هذا وخشداشه ، فرأتهما من وراء السّتر ، فأمرت بشراء خشداشة ، وقالت : هذا الأسمر لا يكن بينك وبينه معاملة ، فإنّ في عينيه شرّا لائحا.
فردّهما جميعا ، فطلب البندقدار الغلامين ، فاشتراهما وهو معتقل ، ثمّ أفرج عنه ، وسار بهما إلى مصر ، وآل أمر ركن الدّين إلى ما آل.
وقد سار غير مرّة في البريد حال سلطته. وعمل في حصارات المدائن الّتي أخذها من الفرنج في بذل نفسه وفرط إقدامه على المخاوف ما يقضى منه
__________________
(١) في ذيل المرآة.