وجرت له أمور ، ثمّ سار مع صاحب الشّام الملك النّاصر لقصد الدّيار المصرية ، فأسر في وقعة العباسيّة سنة ثمان وأربعين ، وبقي محبوسا في قلعة الجبل إلى أن وقع الصّلح في سنة إحدى وخمسين ، وأطلق فيمن أطلق ، وعاد إلى معاداة الملك النّاصر. وكان له مكاتبات إلى التّتار ، وله قصّاد ، لما بقي بالرّحبة وتلك البلاد المتطرّفة. فلمّا ملك هولا وقصده فأقبل عليه وأكرمه ، واستعان به في تسلّم القلاع ، ثمّ ولّاه نيابة الشّام ، وأعاد إليه مدينة حمص. ولما مرّ به الملك النّاصر تحت حوطة التّتر نزل به ، فلم يلتفت عليه ووبّخه وعنّفه. ثمّ إنّ الملك المظفّر قطز بعث إليه يستميله ويلومه على ميله إلى العدوّ المخذول ، ويعده بأمور ، فأجاب. فلمّا طلبه النّوين كتبغا لحضور المصافّ تمرّض واعتلّ بالمرض ، وكان إذ ذاك بدمشق. فلمّا انكسرت التّتار هرب هو والزّين الحافظيّ والتتار. ثمّ انفصل عنهم الملك الأشرف من أرض قارا ، وسار إلى تدمر ، وراسل السّلطان ، فوفى له ، فقدم عليه دمشق ، فأكرمه وأقرّه على مملكة حمص ، فتوجّه إليها.
ثمّ غسل فعائله بالوقعة الكائنة على حمص سند تسع وخمسين ، وثبت وكسر التّتار ، فنبل قدره ، ورأى له الملك الظّاهر وأعاد إليه تلّ باشر ، فلمّا قبض الظّاهر على المغيث عمر المذكور في هذه السّنة تخيّل الأشرف من الملك الظّاهر ، وشرع في إظهار أمور كامنة في نفسه. وعزم الملك الظاهر على الوثوب عليه ، فقدّر الله مرضه ووفاته. ويقال إنّه سقي.
ذكره قطب الدّين فقال (١) : كان ملكا حازما ، كبير القدر ، يقظا ، خبيرا ، شجاعا ، كبير النّفس ، له غور ودهاء ، وكان وافر العقل ، قليل البسط والحديث ، يقيّد ألفاظه ، ويلازم النّاموس حتّى في خلواته ، ويحذو حذو الصّالح نجم الدّين أيّوب. وخلّف أموالا عظيمة من الجواهر والذّهب والذّخائر ، وتسلّم الملك الظّاهر بلاده وحواصله. توفّي في صفر بحمص وله خمس وثلاثون سنة ، ودفن بتربة جدّه الملك المجاهد.
__________________
(١) في ذيل مرآة الزمان ٢ / ٣١٤.