وقال في السفر الثاني : «قرّبوا إليّ كلّ يوم خروفين : خروفا غدوة ، وخروفا عشيّة ، قربانا دائما لاحقا بكم».
ففي هذه الصور وجدت ألفاظ التأبيد من غير دوام ، فكذا ما ذكرتموه.
الثالث : قال قاضي القضاة : الأمر بالفعل أبدا لا يقتضي الدوام ، لعلمنا أنّ التكليف منقطع ، ولهذا لا يفهم من قول القائل لغيره : «لازم فلانا أبدا» أو «أحبسه أبدا» [الدوام]. (١)
واعترضه أبو الحسين : «بأنّ التأبيد يفيد الدّوام في الأوقات كلّها ، وإنّما يخرج ما بعد الموت (٢) والعجز من الخطاب للدلالة ، وما عداهما باق على الظاهر ، كما لو قال : «افعل في كلّ وقت إلّا أن تعجز أو تموت» حسب ما نقوله في ألفاظ العموم كلّها» (٣).
وفيه نظر ، فإنّا نعلم أنّ التكليف كما ينقطع بالموت والعجز ، كذا ينقطع بالنسخ ، فإذا اقتضى الأوّل الخروج عن الدّلالة ، اقتضاه الثاني ، وحينئذ لا منافاة بين كلام موسى عليهالسلام وبين النسخ ، كما لا منافاة بينه وبين الموت والعجز.
وعن الثالث : أنّ النسخ ليس بحكمة ظهرت ، بل تجدّدت لتجدّد الوقت ، وقد كانت معلومة في الأزل ولم تكن حاصلة ، لعدم وقتها.
__________________
(١) نقله عنه أبو الحسين البصري في المعتمد : ١ / ٣٧٢.
(٢) في المصدر : ما بعد الوقت.
(٣) المعتمد : ١ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.