وكذا قوله في قصّة نوح (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) (١) أي بتقدير عدم هداية الله تعالى لهم إلى ذلك ، وذلك لا يدلّ على الإخبار بعدم الإيمان مطلقا ، وكذا باقي الآيات.
سلّمنا ، لكن نمنع أنّهم ظنّوا بتصديق النبيّ فيما أخبر به ، من عدم تصديقهم بتكذيبه، لجواز وروده حال غفلتهم ، أو نومهم ، أو بعد التكليف.
وهو الجواب عن الثالث ، مع أنّا لو سلّمنا أنّ تصديق الله تعالى في كلّ ما أخبر عنه ، من الإيمان ، لم يلزم منه أمره بتصديق هذا الخبر عينا ، إذ ما هو من الإيمان من التصديق ، يجب أن يكون إجماليّا (٢).
وعن الرابع : بالمنع من الافتقار إلى الداعي ، فإنّ للقادر أن يرجّح أحد مقدوريه على الآخر لا لمرجّح ، كما في الهارب من السّبع إذا عن له طريقان ، والعطشان إذا حضره قدحان ، والجائع إذا قدم إليه رغيفان.
سلّمنا ، لكن الدّاعي هو العلم بما في الفعل من المصلحة ، وهذا العلم إن كان ضروريّا ، فمن الله تعالى ، وإن كان كسبيّا ، كان مستندا إلى العبد بواسطة اختياره المستند إلى علمه.
ولا يلزم الجبر على تقدير عدم التمكّن من الترك ، إذا كان الوجوب مستندا إلى القدرة والدّاعي ، ومع ذلك فهو وارد في حقّ الله تعالى.
وعن الخامس : أنّ التكليف وارد حال الاستواء بأن يوقعه حال الرّجحان ، والتكليف بالمحال إنّما يلزم لو قلنا : إنّه مكلّف حال الاستواء بأن
__________________
(١) هود : ٣٦.
(٢) أي يعتقد على سبيل الإجمال أن كلّ ما اخبر به صادق.