واحتجّ الآخرون : بما رواه زيد بن وهب ، قال : كنت جالساً في مسجد رسول الله صلّى الله عليه وآله ، في رمضان في زمن عمر ، فاُتينا بعِساسٍ (١) فيها شراب من بيت حفصة ، فشربنا ونحن نرى أنّه من الليل ، ثم انكشف السحاب ، فإذا الشمس طالعة ، قال : فجعل الناس يقولون : نقضي يوماً مكانه ، فقال عمر : والله لا نقضيه ، ما تجانَفْنا (٢) لإِثم (٣) .
والجواب : المنع من الأكل في رمضان عالماً مع المراعاة . وقول عمر ليس حجّةً .
واحتجّ أحمد : بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله ، أمر المجامع بالتكفير من غير تفصيل (٤) .
والأمر إنّما كان للهتك ؛ لأنّ الأعرابي شكي كثرة الذنب وشدّة المؤاخذة ، وذلك إنّما يكون مع قصد الإِفطار .
مسألة ٣٩ : لو أخبره غيره بأنّ الفجر لم يطلع ، فقلَّده وترك المراعاة مع قدرته عليها ، ثم فعل المفطر وكان الفجر طالعاً ، وجب عليه القضاء خاصة ؛ لأنّه مفرّط بترك المراعاة ، فأفسد صومه ، ووجب القضاء ، والكفّارة ساقطة عنه ؛ لأنّه بناء على أصالة بقاء الليل وعلى صدق المُخبر الذي هو الأصل في المسلم .
وسأل معاوية بن عمّار ، الصادق عليه السلام : آمُر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا ، فتقول : لم يطلع ، فآكل ثم أنظر (٥) فأجده قد طلعِ حين نَظَرَتْ ، قال : « تتمّ يومك (٦) وتقضيه ، أمّا انّك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك
__________________
(١) العُسُّ : القدح الكبير . وجمعه عِساس وأعساس . النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ٢٣٦ .
(٢) الجَنَفُ : المَيل . لسان العرب ٩ : ٣٢ .
(٣) سنن البيهقي ٤ : ٢١٧ وأورده ابنا قدامة في المغني ٣ : ٧٦ ـ ٧٧ ، والشرح الكبير ٣ : ٥٣ .
(٤) المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٧ .
(٥) في الكافي و « ف » : أنظره .
(٦) في النسخ المعتمدة في التحقيق وفي الطبعة الحجرية : يومه . وما أثبتناه من الكافي