وقال تعالى : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) [سورة البقرة : ١٤٨].
وهذا نصّ جلي ، من كذبه كفر.
وقد علمنا أنه تعالى لم يأمر بتلك الوجهات كلها بل فيها كفر قد نهى الله تعالى عنه ، فلم يبق إذ هو مولي كل وجهة إلا أنه خالق كل وجهة لأحد من الناس.
وهذا كاف لمن عقل ونصح نفسه. ومنها : قول الله عزوجل : (هذا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي ما ذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) [سورة لقمان : ١١]. وهذا إيجاب بأن الله تعالى خلق كل ما في العالم وأن كل من دونه لا يخلق شيئا أصلا ولو كان هاهنا خالق لشيء من الأشياء غير الله تعالى لكان جواب هؤلاء المغرورين جوابا قاطعا ، ولقالوا : نعم نريك أفعالنا خلقها من دونك وهاهنا خالقون كثير وهم نحن لأفعالنا.
وقوله تعالى : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [سورة الرعد : ١٦].
وهذا بيان جلي أن الخلق كله جواهر وأعراض ولا شك في أنه لا يفعل الجواهر أحد إلا الله تعالى وإنما يفعلها الله تعالى وحده فلم يبق إلّا الأعراض فلو كان الله تعالى خالقا لبعض الأعراض ، ويكون الناس خالقين لبعضها ، لكانوا له شركاء في الخلق ، ولكانوا قد خلقوا كخلقه ، خلق أعراضا وخلقوا أعراضا.
وهذا تكذيب لله تعالى وردّ للقرآن مجرد ، فصح أنه لا يخلق شيئا غير الله تعالى وحده ، والخلق : هو الاختراع فالله تعالى مخترع لأعراضنا كسائر الأعراض ولا فرق ، فإن نفوا خلق الله تعالى لجميع الأعراض لزمهم أن يقولوا إنها أفعال لغير فاعل ، أو إنها فعل لمن ظهرت منه من الأجرام (١) الجمادية وغيرها.
فإن قالوا : هي أفعال لغير فاعل فهذا قول أهل الدهر ويكلّمون حينئذ بما يكلم به أهل الدهر ، وإن قالوا إنها أفعال الأجرام كانوا قد جعلوا الجمادات فاعلة مخترعة وهذا باطل وهو أيضا خلاف قولهم ، والطبيعة لا تفعل شيئا مخترعة له وإنما الفاعل لما ظهر منها خالق الطبيعة المظهر منها ما ظهر ، وهو خالق الكل ولا بد ولله الحمد.
ومنها قوله تعالى : (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [سورة الصافات : ٩٥. ٩٦].
__________________
(١) الأجرام : الأجسام.