الله خلق خلقا للنّار وهم في أصلاب آبائهم» (١).
قال أبو محمد : وهذان الخبران لا حجة لهم في شيء منهما إلا أنهما إنما قالهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل أن يوحي إليه أنهم في الجنة ، وقد قال تعالى آمرا لرسوله صلىاللهعليهوسلم أن يقول : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) [سورة الأحقاف آية رقم ٩]. قبل أن يخبره الله عزوجل بأنه قد غفر له الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وكما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه «والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي» (٢) وكان هذا قبل أن يخبره الله عزوجل بأنه لا يدخل النار من شهد بدرا أو هو عليهالسلام لا يقول إلا ما جاء به الوحي ، كما أمر الله عزوجل أن يقول : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) [سورة الأنعام آية رقم ٥٠].
فحكم كل شيء من الدين لم يأت به الوحي أن يتوقف فيه المرء ، فإذا جاء البيان فلا يحل التوقف عن القول بما جاء به النص ، وقد صح الإجماع على أن ما يعمله الأطفال قبل بلوغهم من قتل أو وطء أجنبية أو شرب خمر ، أو قذف ، أو تعطيل صلاة ، أو صوم ، فإنهم غير مؤاخذين في الآخرة بشيء من ذلك ما لم يبلغوا ، وكذلك لا خلاف في أنه لا يؤاخذ الله عزوجل أحدا بما لم يفعله ، بل قد صح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن «من همّ بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه» فمن المحال المنفي أن يكون الله عزوجل يؤاخذ الأطفال بما لم يعملوا ، مما لو عاشوا بعده لعملوه ، وهو لا يؤاخذهم بما يعملونه. ولا يختلف اثنان في أن إنسانا بالغا مات ولو عاش لزنا أنه لا يؤاخذ بالزنا الذي لا يعمله ، وقد أكذب الله عزوجل من ظن هذا بقوله الصادق (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [سورة غافر آية رقم ١٧]. وبقوله تعالى : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل آية رقم ٩٠].
فصح أنه لا يجزى أحد بما لم يعمل ولا مما لم يسن.
فصح أن قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الله أعلم بما كانوا عاملين» ليس فيه أنهم كفار ، ولا أنهم في النار ، ولا أنهم مؤاخذون بما لو عاشوا لكانوا عاملين به مما لم
__________________
(١) تمام الحديث كما رواه مسلم في القدر (حديث ٣١) عن عائشة أم المؤمنين قالت : دعي رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى جنازة صبيّ من الأنصار ، فقلت : يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه ؛ قال : «أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم».
(٢) رواه البخاري في الجنائز باب ٣ ، والتعبير باب ١٣.