عبد السّلام ، وابن الحاجب أفتوا بقتله لما اشتهر عنه من الإباحة ، وقذف الأنبياء عليهمالسلام والفسق ، وترك الصّلاة. وقال الملك الصّالح أخو السّلطان : أنا أعرف منه أكثر من ذلك. وسجن الوالي جماعة من أصحابه ، وتبرّأ منه أصحابه وشتموه ، ثمّ طلب وحبس بعزتا ، فجعل ناس يترددون إليه ف (...) (١) الفقهاء ، وأرسلوا إلى الوزير ابن مرزوق : إن لم تعمل الواجب فيه وإلّا قتلناه نحن.
وكان ابن الصّلاح يدعو عليه في أثناء كلّ صلاة بالجامع جهرا ، وكتب طائفة من أصحابه غير محضر بالبراءة منه.
قلت : ومن كلامه المليح : ودرت طول عمري على من ينصفني فوجدت فردا واحدا ، فلمّا أنصفني ما أنصفته.
وقال : أقمت شهرا لا أفتر عن الذّكر ، فكنت ليلة في بيت مظلم فجفّ لساني ، ولم يبق في حركة سوى أنّي أسمع ذكر أعضائي بسمعي.
وقال : ما يحسن أن تكون العبادة هي المعبود.
وقال : أعلى (٢) ما للفقير الاندحاض.
وكان الحريريّ يلبس الطّويل والقصير والمدوّر والمفرّج ، والأبيض والأسود ، والعمامة والمئزر والقلنسوة وحدها ، وثوب المرأة والمطرّز والملوّن.
وسأله أصحابه لمّا حبس أن يسأل ويتشفّع ، فلم يفعل ، فلمّا أقام أربع سنين زاد سؤالهم ، فأمرهم أن يكتبوا قصّة فيها : من الخلق الضّعيف إلى الرّيّ الشّريف ، ممّن هو ذنب كلّه إلى من هو عفو كلّه ، سبب هذه المكاتبة الضّعف عن المعاتبة ، أصغر خدم الفقراء عليّ الحريريّ.
فقير ولكن من عفاف ومن تقى |
|
وشيخ ولكن للفسوق إمام |
فسعوا بالقصّة وأرادوا أن تصل إلى السّلطان ، فما قرأها أحد من الدّولة
__________________
(١) في الأصل بياض ، ويحتمل أنه : «فيهم الفقهاء».
(٢) في الأصل «أعلا».