بالعقل. وذلك لأنا نرى أن الإنسان قد يكون مواظبا على الكفر والفسق ، وعلى أعمال أهل النار ، ثم ينقلب مؤمنا برا تقيا. وقد نرى الأمر على العكس من ذلك. فانقلابه من الحالة المتقدمة ، إلى الحالة المتأخرة ، لا بد وأن يكون لمرجح. إذ لو جاز حصول الرجحان ، لا لمرجح ، فلنجوز ذلك في كل الممكنات. ثم ذلك المرجح إن كان من العبد ، عاد الطلب. وإن كان من الله ، فقد حصل المطلوب.
فثبت : أن هذا البرهان العقلي يدل على أن المواظب على أعمال أهل النار ، إنما ينقلب مواظبا على أعمال أهل الجنة. لأن القضاء الإلهي ، اقتضى ذلك ، وقلبه من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر. وهذا هو المراد من قوله صلىاللهعليهوسلم : «فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة».
قوله : «هذا الحديث لا يدل إلا على أن أفعال العباد ، لا تقع إلّا على وفق علم الله» قلنا : هب أنه كذلك. إلا أنا بينا أن خلاف المعلوم ممتنع الوقوع.
أما قوله : «حكم الله في أفعال العباد ، مشروط ، لا جازم» قلنا : لا نزاع أن الله تعالى يعلم أن «زيدا» لو أطاع فإنه يثاب. ولكن هل حصل مع هذه القضية الشرطية ، علم بأنه يطيع أم لا؟ فإن لم يحصل العلم ، لا بالوقوع ، ولا بعدم الوقوع ، كان تعالى غير عالم بالجزئيات. وهو كفر. وإن علم الوقوع ، أو اللاوقوع ، وجب أن لا يكون خلافه ، ممتنع الوقوع. وحينئذ يعود الإلزام المذكور. والله أعلم.
الحجة الرابعة : ما رواه الشيخان في الصحيحين بإسناديهما ، عن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن علي بن أبي طالب. قال : خرجنا على جنازة. فبينا نحن بالبقيع. إذ خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وبيده مخصرة فجاء ، فجلس ، ثم نكت بها في الأرض ساعة ، ثم قال: «ما من نفس منفوسة ، إلا وقد كتب مكانها من الجنة أو النار. وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة» فقال رجل : أفلا نتكل على كتابنا يا رسول الله ، وندع العمل؟ قال : «لا. ولكن اعملوا ،