الوجود ؛ فصفة الامكان لا تنفصل عنه وتلازمه ؛ فصفة الامكان بما أنها لازمة وضرورية للماهية والماهية اذا خرجت من العدم الى الوجود ، لا تنقلب من الامكان الى الوجوب وتبقى الماهية على صفة الامكان كما كانت عليه قبل اتصافها بالوجود. وفى هذه الحالة تحتاج الى الواجب الوجود. ونظرية الامكان عند ما وضعت من قبل الفارابى وشرحها بعده ابن سينا وهما قصدا هذا المعنى وهو خلاف الحدوث. ان الحدوث اذا قبل بالمعنى الّذي حدده المتكلمون بأنه خروج الشيء من العدم الى الوجود ، وقبل وجوده لم يكن متصفا بأية صفة من صفات النفى ولم يسمّ ـ باسم من الأسماء سوى النفى المحض حيث ليس له اسم يقابله. واذا وجد وحدث لم يكن له أى صلة بما كان قبل وجوده ، لأنه قبل وجوده لم يكن شيئا مذكورا حتى يستطيع الانسان أن يفكر بأن له علاقة بما قبله وما بعده. واذا وجد لم يكن محتاجا بدوره الى المؤثر ليوجده ويحدثه مرة ثانية لأنه يلزمه تحصيل الحاصل.
وأما احتياج الممكن الوجود الى المؤثر حال وجوده لا يستلزم تحصيل الحاصل فالفرق هو أن الممكن لا يحتاج الى المؤثر فى وجوده أو لاتصاف الماهية بالوجود ، بل لاتصاف الماهية بالامكان وهذا الامكان باق بعد وجوده ، ولكن فى الحدوث غير باق ما هو قبله ولذلك يمكن التفكير بعدم احتياجه الى المؤثر ؛ لأن المؤثر قد اظهر اثره وأتم عمله وانتهى ، ولم يبق له علاقة مع عمله فى نظرية الحدوث وحاجة الوجود الى الاستمرار فى نظرية الحدوث ينبغى أن تبنى على نظرية أخرى أو تستند على دليل آخر. ودليل الحدوث لا يعطى ذلك بصراحة ووضوح واما نظرية الامكان فانها تتضمنه ؛ وهذا هو سبب الترجيح عند الرازى.
(٢) «احتجوا (المتكلمون الذين يرجحون نظرية الحدوث) بأن المؤثر حال البقاء اما ان يكون له فيه تأثير أو لا يكون. فان كان له فيه تأثير ؛ فذلك الأثر اما ان يكون الوجود الّذي كان حاصلا وهو محال. لأن تحصيل الحاصل محال. واما أن يكون أمرا جديدا ؛ كأن يكون المؤثر مؤثرا فى الجديد لا فى الباقى. وان لم يكن له فيه تأثير أصلا ؛ استحال أن يكون مؤثرا».