[اعلم بالضرورة : أن ذوق الطعام حاصل في اللسان (١)] وأن سماع الصوت حاصل بالأذن ، وكذا القول في سائر الإحساسات. وأيضا (٢) : الإنسان يعلم بالبديهة أنه يجد الفكر والتخيل من جانب الدماغ ، ويجد العلم والإدراك من ناحية القلب. وجميع هذه الشواهد دالة على أن هذه الإدراكات مختصة بهذه الأعضاء.
فثبت : أن جوهر النفس [جوهر مخصوص (٣)] موصوف بهذه الصفات ، وثبت : أن الموصوف بهذه الصفات : هو هذه الأعضاء ، فوجب القطع بأن جوهر النفس إما هذه البنية ، وإما أجسام سارية في هذه البنية مشابكة لها. مداخلة فيها (٤).
الحجة الخامسة : إن النفس لو كانت جوهرا مفارقا للبدن ، ولا تعلق لها بالبدن ، إلا تعلق التدبير والتصرف ، كتعلق الملاح بالسفينة ، والجمال بالمحمول ، فكما أن الملاح يمكنه أن يترك تدبير هذه السفينة ، ويشتغل بتدبير سفينة أخرى ، وجب أن تتمكن النفس من أن تترك تدبير هذا البدن ، وتشتغل بتدبير بدن آخر. يعني : أن مدبر هذا البدن ، ينتقل إلى تدبير ذلك البدن ، ومدبر ذلك البدن ينتقل إلى تدبير هذا البدن. ولما كان ذلك ممتنعا ، علمنا : أن النفس ليست إلا هذا البدن. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : هذه النفس لها عشق طبيعي ، وشوق ذاتي ، إلى تدبير هذا البدن ، فلهذا السبب يمتنع انتقالها إلى تدبير بدن آخر.
والجواب عن الأول : إن القول بالاتحاد باطل ، مشهور البطلان. لأنهما بعد الاتحاد إن بقيا (٥) معا. فهما اثنان لا واحد ، وإن عدما معا ، وحدث ثالث فهذا ليس من الاتحاد في شيء وإن بقي أحدهما وعدم الآخر. فهذا أيضا ليس
__________________
(١) سقط (ل).
(٢) وأيضا : أعلم (م) ، (ط).
(٣) وكذلك (م ، ط).
(٤) من (طا ، ل).
(٥) قيدا معا (ل). فنيا (طا).