وإنما هو ظرف مشترك فيه بين الماضي وبين المستقبل. لأنها نهاية الماضي وبداية المستقبل. وهذا القول يقتضي اتصال معدوم بمعدوم آخر ، بطرف موجود. وإنه محال. فثبت : أنه كم منفصل. فهو مركب من وحدات متعاقبة ، وذلك يوجب تتالي الآنات. وتقرير هذا الوجه : مذكور في باب الآن والزمان على الاستقصاء.
الحجة الرابعة على إثبات تتالي الآنات : أن نقول : إن «الشيخ أبا علي بن سينا» ادعى أن الحجر إذا رمي إلى فوق ، فإنه لا بد وأن يحصل بين حركته الصاعدة ، وحركته الهابطة : سكون في الهواء. واحتج عليه : بأن القوة التي تحرك ذلك الحجر إلى فوق ، إنما تحرك لأجل أن توصله إلى حد معين من حدود المسافة ، وذلك الحد طرف غير منقسم ، فيكون الوصول إليه واقعا في الآن ، ثم إنه يصير مماسا ، عند ما يبتدئ بالنزول. وذلك إنما يقع في آن. ثم قال : «ويجب أن يحصل بين الآنين : زمان ، حتى لا يلزم تتالي الآنات. فوجب أن يكون الحجر ساكنا في ذلك الزمان» ثم إنه أورد على نفسه سؤالا. فقال : «إذا فرضنا دولابا ، وعلقنا عليه كرة ، وكان فوق ذلك الدولاب ، سطح مستو أملس ، بحيث كلما تحرك الدولاب ، فإن تلك الكرة تلاقي ذلك السطح الفوقاني ، بنقطة واحدة. فنقول : إن حصول تلك الملاقاة ، لا بد وأن يقع في الآن ، وحصول اللاملاقاة يقع (١) في آن آخر ، وبين الآنين زمان. فيلزمكم : وجوب أن يقف ذلك الدولاب في تلك الحالة».
فالتزم الرئيس وجوب هذا السكون. فقلنا : إنا نلزمكم هذا الكلام في صورة ، لا يمكنكم التزام السكون فيها ، وذلك لأنا إذا فرضنا حصول مركز تدوير «زحل» في أوج فلك التدوير فههنا قالوا (٢) : إن كرة «زحل» تماس كرة «الثوابت» بنقطة واحدة. فنقول: إن حصول تلك المماسة ، يقع في آن لا ينقسم ، وحصول اللامماسة ، يقع في آن أيضا. فإن حصل بين هذين الآنين
__________________
(١) فالتزم يقع (م).
(٢) في ألوان (م).