عليه : هو أن البارئ تعالى ، لما كان موجودا في الأزل ، وما كان العالم موجودا في الأزل ، لزم القطع بكون البارئ تعالى متقدما على العالم. ثم نقول : لا شك أن البارئ تعالى ، كان موجودا قبل حدوث العالم بتقدير ألف سنة. وكان أيضا موجودا قبل حدوث العالم بتقدير ألفي سنة. ولا شك أن التقدم الحاصل على أول العالم بتقدير ألفي سنة ، أزيد مقدارا من التقدم الحاصل على أول العالم بألف سنة. وهذه الزيادة ليست بمجرد فرضنا واعتبارنا ، لأن كل ما لا حصول له إلا بحسب الفرض والاعتبار ، كان واجب التغير ، بحسب تغير الفرض والاعتبار. ونحن بالبديهة نعلم : أن القدر الذي به يحصل التقدم على أول العالم ، بمقدار ألفي سنة : ضعف الذي به يحصل التقدم على أول العالم بألف سنة. ولا معنى للمدة والزمان إلا هذا المقدار ، القابل للمساواة والمقارنة. فيثبت : أنه لو كان العالم محدثا ، لكان البارئ متقدما عليه بمدة غير متناهية.
أما قوله : «لما جاز أن يتقدم بعض أجزاء الزمان على البعض الآخر ، لا بالمدة. فلم لا يجوز مثله في تقدم ذات البارئ [تعالى (١)] على أول العالم؟» قلنا : إنما صح [قولنا (٢)] إن هذا الجزء من الزمان ، متأخر عن الجزء الأول. لأنا نقول : [هذا (٣)] الجزء ما كان موجودا مع الجزء (٤) الأول. إلا أن هذا المعنى إنما يصح ، إذا كان الجزء الأول موجودا.
أما لو قلنا (٥) إنه ما حصل في الأزل شيء من أجزاء المدة والزمان ، امتنع القول بكون العالم متأخرا عن البارئ. فظهر الفرق. أما قوله ثانيا : «مجموع الزمان له فاعل مختار ، والفاعل المختار متقدم على فعله ، والمتقدم على الزمان ، لا يكون (٦) تقدمه بالزمان» قلنا : المؤثر متقدم على الأثر ، تقدما بالتأثير
__________________
(١) من (ت)
(٢) من (ط ، س)
(٣) من (ط ، س)
(٤) أجزاء (ت)
(٥) قولنا (ت)
(٦) أن لا يكون متقدما (ت)