أيضا : باطل لأن تعذيب الإنسان لأجل أن يصل بسببه نفع إلى الغير ظلم ، ولأنه ليس تعذيب هذا ، لأجل اتصال النفع إلى الآخرين ، أولى من الضد ، فيثبت أن هذا التعذيب قبيح في العقول ، بخلاف الشاهد ، فإن السيد إنما يحسن منه تأديب عبده وتعذيبه في بعض الوجوه ، لأن السيد يتأذى بإساءة العبد إليه ، ويبقى حب الانتقام في قلبه ، فإذا انتقم من ذلك العبد ، فإنه يتخلص بسبب ذلك الانتقام من الغم الذي كان حاصلا في قلبه. وأيضا : فإذا أدب العبد وهذبه ، عاد العبد إلى المواظبة على الأفعال النافعة لذلك السيد. أما الإله تعالى فإنه منزه عن الضرر الحاصل بسبب حب الانتقام ، ومتعالي عن أن ينتفع بحسن آداب العبد ، أو يتضرر بسوء أفعاله. فظهر الفرق. والله أعلم.
الحجة الخامسة : قال أهل العلم : نفرض امرأة كان لها ثلاثة أولاد ، أحدهم مات في كبره وكان مؤمنا زاهدا ، والثاني مات في كبره ، وكان كافرا فاسقا. والثالث : مات في صغره. فسألوا أبا علي الجبائي رئيس المعتزلة عن حالهم. فقال : أما الزاهد ففي أعالي الجنة. وأما الكافر ففي دركات النار. وأما الصغير فمن أهل السلامة. فقال السائل : إن أراد ذلك الصبي أن يذهب إلى درجات الجنة ، في الموضع الذي هو موضع أخيه المؤمن الزاهد. هل يمكنه منه؟ فقال الجبائي : لا. لأنه يقال : إن أخاك إنما وصل إلى تلك الدرجات بسبب زهده وعلمه ، ولم يحصل لك ذلك ، فكيف تصل إليه؟ فقال السائل : فلو قال ذلك الصبي : إلهي ليس الذنب مني ، لأنك أمتني قبل البلوغ ، بل كان من الواجب عليك أن تمهلني حتى إذا بلغت أتيت بالطاعات والعبادات الكثيرة مثل ما أتى به الأخ الزاهد. فقال الجبائي : إن الله تعالى يقول : كنت أعلم أنك لو بلغت لكفرت ، ولصرت مستحقا للنار ، فراعيت مصلحتك وأمتك قبل البلوغ حتى لا تكون من أهل النار. فقال السائل : فلو أن الأخ الكافر يقول : يا إلهي كما علمت من حال ذلك الأخر الصغير أنه لو بلغ لكفر ، ولاستحق العقاب فكذلك علمت من حالي أن الأمر كذلك ، فلم راعيت مصلحته؟ وما راعيت مصلحتي؟ فلما ذكر السائل هذا السؤال انقطع