القدر المشترك بين أشخاص الناس ليس له وجود خارج الذهن ، بل الموجود في الخارج هو الذوات المتعينة ، والأشخاص المتباينة ، فأما القدر المشترك فلا وجود له إلا في الذهن. والنزاع إنما وقع في أنه : هل يوجد في الأعيان موجود مجرد عن الوضع والحيز؟ فأين أحد البابين من الآخر؟ فيثبت : أن هذا الكلام مغالطة محضة. والجواب عنه من وجهين :
الأول : إنه ثبت بالدليل الذي ذكرناه : أن القدر المشترك بين الأشخاص الإنسانية هو مجرد المفهوم من معنى لفظ الإنسان. نقول : هذا المفهوم إما أن يكون موجودا ، وإما أن يكون معدوما محضا. والثاني باطل. لأن المفهوم من كون الإنسان إنسانا ، جزء من ماهية هذا الإنسان ، والعدم المحض يمتنع أن يكون جزءا من ماهية الموجود. فيثبت : أنه موجود. فإما أن يكون موجودا في الأعيان ، وإما أن لا يكون. والثاني باطل. لأن الإنسان المعين موجودا في الأعيان. وما كان موجودا في الأعيان كان جزء ماهيته أيضا موجودا في الأعيان ، لأن بديهة العقل شاهدة بأن المركب لا يوجد إلا عند وجود جميع أجزائه. فلما كان المفهوم من الإنسان جزءا من ماهية هذا الإنسان ، وثبت أن هذا الإنسان موجود في الأعيان ، لزم أن يكون الإنسان من حيث هو إنسان موجودا في الأعيان. لكن الإنسان من حيث هو إنسان مغاير لمعنى الوضع والحيز. فيثبت : أن الإنسان من حيث هو مع قطع النظر عن لواحقه ، وعن عوارضه : مجرد عن الوضع والحيز. وهذا غاية ما يمكن ذكره في تقرير هذا الكلام ، مع أن البحث باق فيه. فإن لقائل أن يقول : هذا الكلام يفيد أن الإنسان من حيث هو إنسان ، مغاير لمعنى الوضع والحيز ، ولا يفيد أن المفهوم من الإنسان ينفك عن هذه المعاني. والمطلوب : إثبات موجود تنفك حقيقته في الوجود الخارجي عن هذه المفهومات.
وما ذكرتموه لا يدل عليه.
الوجه الثاني في الجواب : أن نقول : هب أن هذا المفهوم المجرد لا وجود له إلا في الذهن ، إلا أن هذا يدل على أن صريح العقل لا يستبعد تصور