وإنما قلنا : إنه يمتنع أن يحل في محل ، مع جواز أن يحل فيه. وذلك لأن الحال في الشيء ، يجب أن يكون محتاجا إليه ، والذي لا يحل في شيء ، هو الذي يكون غنيا عنه. فإذا قلنا في الشيء : إنه قد يحل في المحل مع جواز أن لا يحل فيه ، صار المعنى : أن الغني عن الشيء ، يجوز أن يصير محتاجا إليه. وذلك محال.
لأن الغني عن الشيء يمتنع أن ينقلب محتاجا إليه ، فيثبت : أنه تعالى لو حل في شيء لحل إما مع وجوب أن يحل ، أو مع جواز أن يحل ، والقسمان فاسدان ، فالقول بالحلول باطل. فإن قيل : الإنسان إنه لو حل في شيء مع وجوب أن يحل فيه ، لكان محتاجا إلى المحل ، وذلك لأنه [لا (١)] يمتنع أن توجب ذاته ، ذات ذلك المحل. ثم إن ذلك المحل يوجب حلوله في نفسه ، أو يقال : ذاته توجب ذات ذلك المحل ، وتوجب حلول نفسه في ذلك المحل ، بشرط وجود ذلك المحل ، وتوجب حلول نفسه في ذلك المحل ، بشرط وجود ذلك المحل. وبهذا التقدير فإنه لا يلزم افتقار [ذاته إلى ذلك المحل. لأن لوازم الشيء وآثاره واجبة الحصول عند حصول ذلك المؤثر ، مع أنه لا يلزم افتقار المؤثر إلى (٢)] الأثر. ثم نقول : لم لا يجوز أن يحل في الشيء مع جواز حلوله فيه؟ قوله : «لأن الحال في المحل ، مفتقر إلى ذلك المحل ، والذي لا يكون حالا فيه ، يكون غنيا عنه ، وكون الشيء الواحد بالنسبة إلى الشيء الواحد ، غنيا عنه ، ومحتاجا إليه : محال» فنقول : لم قلتم : إن الحال في الشيء يكون محتاجا إليه؟ ألا ترى أن الجسم المعين ، يحصل في الحيز المعين ، بعد أن كان غير حال فيه ، مع أنه لا يكون محتاجا لذاته إلى الحلول في ذلك الحيز المعين؟ فإذا عقل هذا في الحصول في الحيز ، فلم لا يعقل مثله في الحلول في المحل؟ واعلم أن هذه السؤالات واردة على هذه الطريقة ويصعب الجواب عنها.
فالأولى : أن نقول : البحث عن أنه هل يجوز أن يصير حالا في شيء ، أم لا : مسبوق بالبحث عن ماهية الحلول؟ فنقول : المعقول من الحلول
__________________
(١) من (س).
(٢) من (و).