بأن يجدّد لهم في كلّ حال العلم بما ذكرناه ، وبالفصاحة والتصرّف في ضروب الكلام ، ثمّ منعهم ـ عند تعاطي المعارضة ـ العلم بالفصاحة ، وجدّد لهم ما سواها ، كانت هذه العلوم الواقعة ـ منفصلة عن العلوم بالفصاحة ، وقد جرت العادة بتجدّد الجميع على حدّ سواء ـ هي المعجز ، ويكون وقوعها. على الحدّ الذي ذكرناه ، كالوجه في صحّة دلالتها على النّبوّة ، إذا لم تطلع شمس أخرى.
على أنّ المعجز لو وجد بشرائطه كلّها ـ من غير دعوة مدّع ولا احتجاج محتجّ ـ لم يكن دالّا على النّبوّة. وكذلك لو وقع عند ارتفاع التكليف وانتقاض العادات لم يكن دالّا ، فصار وقوعه ـ مع بقاء العادات ـ موافقا لدعوى مدّع له ومحتجّ به ، كالوجه في صحّة دلالته على النّبوّة ، فلا يمتنع أيضا أن يجدّد العلوم التي ذكرناها ـ من غير أن تتجدّد معها العلوم بالفصاحة على مجرى العادة ـ دلالة على النّبوّة. ولو تجدّد الجميع لم يكن دلالة ؛ لأنّ خرق العادة ـ الّذي هو المراعى في دلالة النّبوّة ـ حاصل لا محالة.
وهذا الكلام إنّما أوردناه في مقابلة السائل على سبيل الاستظهار في الحجّة وإقامتها من كلّ وجه ، وإلّا فما قدّمناه من أنّه لا فرق في الدّلالة على النّبوّة بين ثبوت ما تقتضي العادة انتفاءه وبين انتفاء ما يقتضي ثبوته ، يغني عن غيره.
فإن قال : أليس قد شرط بعض المتكلّمين في الدّلالة أن تكون حادثة على وجه مخصوص ، فكيف يكون المعجز عدم العلوم بالفصاحة مع ذلك؟
قيل له : هذا ينكسر بما قدّمناه من دلالة عدم الغرض على حدوثه ، وتعذّر الفعل (١) على [أنّ] من تعذّر عليه ليس بقادر ، إلى غير ذلك ممّا ذكرناه.
اللهمّ إلّا أن يكون من شرط ذلك لم يرد (٢) الحدوث الحقيقيّ الّذي هو الخروج
__________________
(١) في الأصل : الفصل ، والمناسب ما أثبتناه.
(٢) في الأصل : يرو ، والصحيح ما أثبتناه.