عليه إلّا النّظّارون المتكلّمون ، وليس العرب منهم ، وهذا يخرج القرآن من أن يكون معجزا!
لم يجد مفزعا إلّا الكشف عن أنّ مثل ذلك لا بدّ أن تعرفه العرب ، ومن هو أنقص معرفة من العرب. وأنّه ممّا يحوج إلى العلم بالنّظر ولطيف الكلام ، وهو الذي اعتمدناه في الجواب.
فإن قال : كيف يصحّ ما ذكرتموه من سلب من رام المعارضة في الحال ، العلم بالفصاحة والنّظم ، والعلوم يجوز عليها البقاء. وإذا كانت باقية فليس تنتفي عن العالم إلّا بوجود ضدّها ، وهو الجهل ـ بخروج المحلّ من صحّة حلولها فيه ـ. والجهل قبيح لا يجوز أن يفعله القديم تعالى ؛ لأنّه غنيّ عنه عالم بقبحه!
ولو فسد المحلّ وخرج من صحّة حلول العلم بالفصاحة فيه ، لانتفت عنه سائر العلوم ؛ فكان يجب أن يكون كلّ من قصد المعارضة ، مختلس العقل (١) ، فاقدا لجميع علومه ، لاحقا بالمجانين والبهائم! بل يجب على هذا أن يكون أنقص من المجانين والبهائم ؛ لأنّ في هؤلاء علوما ببعض الأشياء. وهذا يخرج من أن يكون عالما بكلّ شيء. وما أظنّكم تبلغون إلى ادّعاء كلّ هذا!
قيل له : الصّحيح عندنا أنّ العلوم لا يجوز عليها البقاء ، وأنّ العالم إنّما يستمرّ كونه عالما ويدوم لتجدّد علوم تحدث في كلّ حال. وإنّما يصرف الله تعالى عن المعارضة بأن لا يجدوا العلم بالفصاحة في تلك الحال ، فيتعذّر ما كان مع حصول العلم متأتّيا. وهذا يأتي على ما تضمّنه سؤالك.
على أنّ العلم لو كان باقيا ـ كما ادّعيت ـ لصحّ أن ينتفي عن العالم بضدّ من أضداده سوى الجهل ، كالظنّ والسّهو والشّكّ والنسيان ، وليس شيء من هذه
__________________
(١) أي فاقد العقل ومسلوبه.