ووضوح العلم بالتّفاوت بينهما ـ وليس كذلك على الحقيقة ـ لما أخلّ بصحّة مذهبنا في الأعجاز ؛ لأنّ التّحدّي عندنا إنّما وقع بالصّرف عن أن يتسابقوا معارضة له ، تشابهه في الفصاحة وطريقة النّظم ، وذلك لمّا لم يكن فلا معتبر بما تقدّم من كلامهم ، لو وجد فيه ما يزيد على القرآن في الفصاحة أو يساويه.
ألا ترى أنّه عليهالسلام لو جعل دليل نبوّته امتناع الحركة عليهم في وقت مخصوص لم يكن ما تقدّم من حركاتهم وتصرّفهم على اختيارهم حجّة عليه؟!
على أنّ الأمر في القرآن بخلاف ما ظنّوه ؛ لأنّ جميع الفصحاء وكلّ من له أدنى علم بهذا الشأن يعلم علوّ مرتبة القرآن في الفصاحة ، وأنّه أفصح الكلام وأبلغه.
وإنّما يقع الشّكّ ويحتاج إلى الاستدلال في أنّ هذه المباينة هل انتهت إلى خرق العادة أم لا؟
وهم إن لم يفرّقوا بين مواضع منه وبين فصيح كلام العرب ـ على ما تقدّم ذكره ـ فليس ذلك بنافع في هذه الشّبهة ؛ لأنّهم يعلمون فضل أكثره وجمهوره على كلّ كلام ، ويظهر لهم منه ما يحيّرهم.
وما لم تظهر فصاحته (١) لهم من جملته هذا الظّهور ، لم ينته عندهم إلى حدّ يطرح معه قول المحتجّ به ، ويقول فيه (٢) على حصول العلم وزوال الشّكّ. ومثل هذه الشّبهة لا يتشاغل بها محصّل.
على أنّ العقلاء إنّما يستحسنون الإعراض عمّن يتحدّاهم بما يكون الأمر فيه ظاهرا معلوما متى أمنوا اعتراض الشّكوك والشّبهات في تلك الحال ، وقطعوا على أنّها لا تعقب فسادا ، ولا يحصل لها شيء من التأثير. فأمّا إذا انتهت الحال إلى
__________________
(١) في الأصل : فصاحة ، والظاهر ما أثبتناه.
(٢) كذا في الأصل.