يمنعهم ذلك من التّصميم على الدّعوى.
والفرزدق أحد المشتهرين بهذا الأمر ، والرّواية عنه مستفيضة بأنّه كان يصالت الشّعراء على شعرهم فيغالبهم عليه ، وكان يقول : «ضوالّ الشّعر أحبّ إليّ من ضوالّ الإبل ، وخير السّرقة ما لا يجب فيه القطع» ، يعني سرقة الشّعر.
وإذا استحسن الشّعراء هذا وأقدموا عليه فيما له قائل حاضر ينازع فيه ، فكيف بهم فيما قد انقطعت فيه الخصومة وزالت الشّنعة ، إمّا لدروس خبر قائله وانقطاع أثره ، أو لإمساكه ، أو لغير هذا من الأسباب ، وهي كثيرة.
وممّا يؤيّد كلامنا ما هو ظاهر من اختلاف الرّواة والعلماء بالشّعر في قصائد وأبيات من قصائد كثيرة ؛ ففيهم من يروي القصيدة ـ أو الأبيات منها ـ لشاعر بعينه ، وآخرون يروونها لغيره ، وأقوالهم في ذلك كالمتكافئة ؛ لأنّ كلّا منهم يسند قوله إلى رواية.
وقد روي عن الرّياشيّ (١) أنّه قال : يقال إنّ كثيرا من شعر امرئ القيس ليس له ، وإنّما هو لفتيان كانوا يكونون معه ، مثل عمرو بن قميئة (٢) وغيره ، وزعم ابن سلّام (٣) أنّ القصيدة المنسوبة إلى امرئ القيس التي أوّلها :
__________________
(١) هو العبّاس بن الفرج بن علي الرياشيّ البصريّ ، كان من الموالي من أهل البصرة ، وهو لغويّ راوية عارف بأيّام العرب ، قتل في البصرة أيّام فتنة صاحب الزنج سنة ٢٥٧ ه ، له كتب عديدة.
(٢) عمرو بن قميئة بن ذريح بن سعد بن مالك ، ابن أخي المرقّش الأكبر ، وعمّ المرقّش الأصغر ، وعمّ والد طرفة بن العبد. كان في خدمة حجر بن الحارث والد امرئ القيس ، فلمّا أراد امرؤ القيس أن يذهب إلى بلاد الروم اصطحبه ، وتوفّي عمرو في أثناء الرحلة الى بلاد الروم نحو عام ٨٤ ق ه ، فسمّاه العرب عمرا الضائع. وابن قميئة شاعر فحل لكنّه مقلّ ، عدّة ابن سلّام في الطبقة الثامنة من الشعراء الجاهليّين.
(٣) هو محمّد بن سلّام الجمحيّ ، ولد بالبصرة نحو عام ١٤٠ ه ، وسمع العلم والأدب من نفر