تستعار هذه اللّفظة في الكلام من حيث حدث بعضه في إثر بعض ، فشبّه لذلك بتأليف الجواهر.
وإذا لم يكن في الكلام معنى زائد على ذوات الحروف ، فكيف يصحّ أن تتعلّق به قدرة أو عجز ، حتّى يقال : إنّ تأليف القرآن يستحيل من العباد كاستحالة كذا وكذا؟ (١)
فأمّا الحروف فهي ـ أجمع ـ في مقدورنا ، ومن قدر على بعض أجناسها فلا بدّ أن يكون قادرا على سائرها.
والكلام كلّه ـ فصيحه وأعجميّه ـ يتركّب من حروف المعجم الّتي يقدر على جميعها كلّ قادر على الكلام. وإذا كانت ألفاظ القرآن غير خارجة عن حروف المعجم الّتي نقدر عليها ، لم يصحّ قول من جعله مستحيلا منّا كاستحالة الأجسام وغيرها من الأجناس الّتي لا يقدر المحدثون عليها! (٢)
فإن قال قائل : ما أنكرتم أنّ المراد بقول من جعل النّظم مستحيلا منّا ، غير ما ظننتموه من أنّ هناك معنى غير الحروف ، حسب ما يجب في تأليف الجواهر ، وأن يكون المراد بذلك وقوعه على هذا الترتيب.
وهذا الوجه من الفصاحة هو المستحيل منّا ، من غير إشارة إلى نظم في الحقيقة ـ هو غيره ـ أو تأليف ، ولذلك تعذّر (٣) الشّعر على المفحم ، والفصاحة
__________________
(١) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٠ : «وإذا كان القرآن لا نظم له على الحقيقة ولا تأليف ، وإنّما يستعار فيه هذا اللفظ من حيث حدث بعضه في إثر بعض ، تشبيها بتأليف الجواهر ، فكيف يصحّ أن يقال تأليف القرآن مستحيل؟!».
(٢) قال المصنّف رحمهالله في كتابه الذخيرة / ٤٠٠ : «وأمّا الحروف : فهي كلّها في مقدورنا ، والكلام يتركّب من حروف المعجم التي يقدر عليها كلّ قادر على الكلام. وألفاظ القرآن غير خارجة من حروف المعجم التي يقدر عليها كلّ متكلّم».
(٣) في الأصل : ما تعذّر ، وهو غير مناسب للسياق.